آلاف القتلى، وعشرات الآلاف من المصابين بالعدوى، ومئات الملايين من البشر في حالة رعب، اغلاق للمدارس والجامعات، تراجع قياسي في أسعار النفط، وانهيار بورصات العالم، تبعها انخفاض نشاط الملاحة الجوية وانكماش اقتصادي رهيب، وحالة طوارئ في كل بلدان العالم جراء فيروس كورونا الذي منع الناس من ممارسة طقوسهم في مكة والمدينة وكل المساجد والكنائس، ومنعهم من ممارسة حياتهم العادية والمشاركة في كل التجمعات، بما في ذلك جماهير الكرة التي حرمت من متابعة مباريات فرقها في مدرجات الملاعب في انتظار ايقاف كل الانشطة واجبار الناس على البقاء في بيوتها تجنبا للاحتكاك الى اشعار آخر لا أحد يعرف موعده اذا استمر الهاجس والخوف.
الانسان تضرر في كل مكان من العالم، لكن عندما تتضرر الكرة وجمهورها يشعر الجميع بخطورة الموقف، خاصة وأن كرة القدم كانت وما زالت إحدى أكبر أسباب التجمعات، والمتنفس الوحيد الذي لم يكن قبل اليوم معنيا بالكوارث الطبيعية والمصائب الانسانية. لقد كانت المباريات تلعب حتى أثناء الحروب ولو في ملاعب محايدة، لكن أن يصل الأمر الى هذه الدرجة من العجز في مواجهة الفيروس وتتوقف مباريات الكرة أو تلعب من دون جمهور، فان الأمر سيكون سابقة تترك آثاراً وتداعيات لم يسبق لها مثيل على نفوس الجماهير واقتصاد الكرة ومستقبلها القريب والبعيد، وقد ينعكس على رزنامة الأحداث الرياضية المقبلة.
صحيح أن الحياة البشرية لا تقدر بثمن وكل الخسائر المادية يمكن تعويضها مهما بلغت درجتها، لكن أن يصل الأمر الى اجراء مباريات من دون جماهير والغاء النشاطات الرياضية في الكثير من دول العالم فان الحياة ستصبح بدون طعم، بل تزداد كآبة عندما يتوقف الهواء الذي يتنفسه الناس عند متابعة كرة القدم التي ستخسر بدورها جمهورها وتخسر موارد مالية كبيرة تصل الى ملايين الدولارات في المباراة الواحدة، كما الحال في دربي ايطاليا بين اليوفي والانتر الذي خسر فيه الفريق المضيف أكثر من خمسة ملايين دولار كانت تمثل مداخيل بيع التذاكر، واليوفي سيخسر ملايين أخرى في مواجهته أمام ليون في دوري الأبطال، وسيخسر لو استمر الدوري بدون جمهور ولو توقف الدوري كليا مثل كل الأندية الكبيرة التي تعتبر الحضور الجماهيري موردا مهما لمداخليها الأسبوعية.
إيطاليا أكثر البلدان الأوروبية تضررا بالفيروس قررت إيقاف كل المنافسات الرياضية مؤقتا، فرنسا منعت الجماهير من حضور مباريات الكرة مثلما فعلت السلطات الاسبانية مع مباراة البارسا ضد نابولي في دوري الأبطال، اضافة الى اجراء الجولتين المقبلتين من الدوري بدون جمهور، بينما تنوي بلدان أوروبية كثيرة اتخاذ نفس الاجراء وتوجيه ضربة قوية للكرة الأوروبية خاصة الدوري الانكليزي الذي يتوجه نحو اتمام الجولات العشر المتبقية من دون جمهور وربما الى الغاء مباريات الدوري كليا في سابقة لم تحدث اثناء الحروب والكوارث الطبيعية التي تعرضت لها البشرية عبر التاريخ.
إضافة إلى الخسائر البشرية والمادية فإن إجراء المباريات بدون جمهور، والغاءها أو تأجيلها سيؤدي الى خلط أوراق الرياضة الأكثر شعبية في العالم وخلخلة مواعيدها وربما تأجيل أو الغاء بطولات كأس أمم أوروبا، وكوبا أميريكا والألعاب الأولمبية الصيفية وبالتالي تعرض الاقتصاد الرياضي العالمي الى خسائر قد تفوق الخمسين مليار دولار اذا استمر الهاجس الى الصيف المقبل، بدون الحديث عن التأثيرات النفسية والاجتماعية لما للكرة من مفعول على معنويات الناس الذين لم يتراجع اقبالهم على مدرجات الملاعب في البلدان التي لم تمنع ذلك، خاصة في البلدان العربية والافريقية التي لم يبلغ فيها الوعي بخطورة الوضع الدرجة نفسها التي بلغتها أوروبا.
درجة حالة الطوارئ غير المعلنة ارتفعت على مستوى أكبر الدوريات الأوروبية وأكثرها متابعة، فبلغ التهديد منافسة دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي لدرجة اعلان نادي خيتافي رفضه السفر الى ميلانو لمواجهة الانتر الليلة مهما كلفه ذلك، حفاظا على سلامة لاعبيه من لعنة كورونا التي مست كل مناحي الحياة وحرمت عشاق الكرة من متعة اللعبة الفريدة من نوعها، وحرمت الكرة من ملحها المتمثل في حضور جماهيري لا يمكن الاستغناء عنه الا بسبب لعنة من هذا الحجم رغم رسائل الاطمئنان الواردة من الصين التي عادت لتحاصر الفيروس وتحد من انتشاره المتزايد في بقية أنحاء العالم.
حفيظ دراجي
القدس العربي 11 مارس 2020