رئيس نادي الزمالك المصري يصنع الحدث من جديد برفضه لعب كلاسيكو الدوري المصري أمام الأهلي، بعد أيام من تتويجه بالكأس السوبر الافريقي ضد الترجي التونسي، وتتويجه بالكأس السوبر المصري أمام غريمه الأهلي في سيناريو أثار جدلا كبيرا في الأوساط الجماهيرية والإعلامية في مصر، يعيد الى الأذهان سيناريوهات سابقة صنعها الرجل المثير للجدل، وسيناريوهات أخرى في كل البلاد العربية التي تعج بمسيرين من نفس الصنف يسرقون الأضواء من نجوم الكرة الذين يصنعون الفرجة والفرحة، ويسرقونها حتى من مشاهير الفكر والعلم والفن والثقافة الذين تزخر بهم مصر والكثير من البلاد العربية، من دون أن تسلط عليهم الأضواء بالشكل الذي يحدث مع مرتضى منصور وأمثاله في أندية عربية كثيرة.
لن أخوض في حيثيات المهزلة وتفاصيل «تغييب» الزمالك المتعمد عن موعد كروي سنوي مقدس عند المصريين في سابقة ستكون لها تداعيات كبيرة على معنويات الناس ونفوسهم وعلى سمعة الكرة المصرية، لن أخوض في سذاجة سيناريو غياب الزمالك بحجة عطب «الأوتوبيس» في الزحمة، لكنني سأكتفي بالإشارة الى ظاهرة صنعها الاعلام المصري ويسوقها يوميا وكأنها قدوة، وواحدة من ظواهر مماثلة في الكثير من الأندية العربية التي تحول فيها رؤساء الأندية الى رؤساء جمهوريات وجنرالات وقضاة ومحامين وأئمة، ينظرون ويقررون ويصدرون الأحكام والفتاوى من دون أدنى اعتبار واحترام للقوانين والمؤسسات، يلقنون الناس دروسا في الوطنية والصدق والنزاهة بدون رقيب أو حسيب لدرجة تجعل كل المحيط الكروي مرعوبا وخاضعا وغير قادر على المواجهة حتى ولو كان الرجل على خطأ.
لن أخوض أيضا في خصوصيات نفسية الرجل المثير للجدل، ولن أعدد تصرفاته وخرجاته، لكن كثيراً من رؤساء أندية الكرة في عالمنا العربي يشتركون مع مرتضى منصور في صناعة الجدل والتغول على نظرائهم من الرؤساء، وعلى وزراء الرياضة والسلطات العمومية لبلدانهم واتحاداتهم الكروية التي تقع رهينة أمثال هؤلاء الذين يمتهنون الاعتراض والاحتجاج وصناعة الجدل للتغطية على نتائجهم السلبية وهفواتهم في التسيير، بدون أن يتعرضوا للمساءلة أو العقاب من الهيئات الرياضية على الأقل، بل على العكس يجدون في وسائل الاعلام من يسوق لأفكارهم وآرائهم، ومن يبرر تصرفاتهم التي تزيد من الاحتقان والشحناء والبغضاء، وهم الذين يتحملون مسؤولية تربوية وأخلاقية في الوسط الرياضي قبل أن تكون إدارية وفنية بسبب الاهتمام الجماهيري الكبير بلعبة كرة القدم وتعلقهم بفرقهم أكثر من تعلقهم بمنتخبات بلدانهم أحيانا.
في مصر يعتقد بعض المتابعين بأن وجود مرتضى منصور أكثر من ضروري وسط منظومة تريد الهاء الناس عن أمهات القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية في البلد، بتواطؤ من الاعلام والسلطات العمومية، وبالتالي فان وجوده في منظومة كروية هشة ضروري، وممارساته وتصريحاته أيضا ضرورية حتى ولو كانت بعيدة عن الأخلاق والروح الرياضية وتشكل خطرا على الأمن العام بفعل الاستفزازات التي تصدر عنه كل يوم، حتى ولو كانت باسم فريق عريق اسمه الزمالك، ضد الغريم الأهلي بشعبيته ورصيده، وفي بلد يعيش تحديات كبيرة، يحتاج فيها الى الطمأنينة والهدوء والاستقرار، والتحلي بالروح الرياضية في مجال الكرة التي تبقى متنفسا للمصريين كما للكثير من الشعوب العربية التي يعاني فيها شبابها من التهميش والفراغ والبطالة وكل الآفات الاجتماعية، ليضاف اليها ظاهرة اسمها «مرتضى منصور».
الظواهر والشوائب والمصائب في البلاد العربية كثيرة ومتنوعة تقتضي وعيا جماعيا لشعوبنا بأن الكرة مجرد لعبة، وبأن الوطن أكبر وأهم من كل ناد حتى لو كان الأهلي أو الزمالك، أما التربية والأدب والاحترام والالتزام هي من أساسيات الكرة وكل مناحي الحياة، ومسؤولية الشخصية العمومية كبيرة في صناعة الرأي والحفاظ على المعنويات والنظام العام لمواجهة التحديات، لأنه لا يعقل أن يصل العبث في الأوساط الكروية العربية، والمصرية بالخصوص، لدرجة يستهتر فيها شخص واحد بالعقول والقلوب، يستثمر في الضعف والجبن وينتصر على كل المنظومة الكروية والإعلامية والجماهيرية بدون أن يوقفه أحد عند حده؟
حفيظ دراجي
القدس العربي 26 فبراير 2020