عشية دور الثمانية لأغلى البطولات الأفريقية للأندية لهذه السنة التي تشهد حضوراً عربياً قوياً لمصر والمغرب وتونس، طبيعي أن يتساءل المتابعون عن موقع أبطال أفريقيا للأمم من النوادي المتأهلة لمنافسة هذا الموسم، ويتساءلون عن غياب الأندية الجزائرية عن الأدوار المتقدمة كلّ مرة، مثلما تساءلوا من قبل عن غياب المنتخب الجزائري عن منصات التتويج القارية على مدى ثلاثة عقود قبل تتويجه الأخير؟ رغم تأهله مرتين متتاليتين إلى نهائيات كأس العالم 2010 و2014، ورغم تتويجه الأخير باللقب القاري للأمم في القاهرة، وتوفر لاعبين متميزين في بعض النوادي المحلية تتهافت عليهم نوادي شمال أفريقيا والخليج العربي.
طبعاً الأمر لا يعود فحسب إلى قوة النوادي الأفريقية التي تملك الإمكانيات المادية والبشرية، وتملك ثقافة المنافسة على البطولات القارية للأندية منذ زمن، لكن يعود أيضاً إلى تراجع النوادي الجزائرية وقلّة إمكانياتها المادية وعدم قدرتها على الحفاظ على لاعبيها الذين يهجرون إلى نواد تدفع لهم رواتبهم بانتظام على الأقل، دون الحديث عن غياب الاستقرار والتنظيم والتسيير الاحترافي، ونقص المرافق الرياضية الضرورية رغم الإمكانيات المادية التي تتوفر عليها الجزائر دون غيرها من الكثير من البلدان العربية، لكنها لحد الآن لم تستكمل إنجاز خمسة ملاعب كبيرة تمّت برمجتها منذ خمسة عشر عاماً، ولم تُجسّد وعودها بإنجاز مراكز تدريب للنوادي المحترفة، ولا حتى وعود الاتحاد الجزائري بإنجاز أربعة مراكز تكوين جهوية لم يظهر عنها أي خبر لحد الآن، ولن ترى النور مثل الملاعب الموعودة منذ سنوات.
السلطات العمومية في الجزائر سنّت قوانين لإعادة هيكلة الكرة الجزائرية ونواديها وخصصت لذلك أموالاً طائلة، والاتحاد الجزائري صار من أغنى الاتحادات الأفريقية والعربية بفضل مداخيل المشاركتين الأخيرتين في كأس العالم وحقوق البث التلفزيوني، لكن نواديه المحترفة لم تعد قادرة على دفع رواتب اللاعبين ومواجهة متطلبات المستوى العالي والمنافسة على لقب دوري أبطال أفريقيا.
لا يوجد نادي واحد في الجزائر يملك مركزاً للتدريب مثل الترجي والأهلي والزمالك والرجاء والوداد مثلاً، رغم وجود حوالي عشرة مراكز للتدريب تابعة للدولة غير مستغلة طاولها الإهمال وسوء التسيير.
كان بإمكان الاتحاد الجزائري استغلال تلك المراكز دون الحاجة إلى بناء مراكز جديدة مكلفة، وعد بها المكتب الفدرالي الحالي لكنه لم ينته حتى من إتمام الدراسات، رغم أن أموالها كانت جاهزة قبل سنتين لكنها لم تعد كافية مع مرور الوقت، دون إغفال ميزانيات التسيير التي تحتاجها لاحقاً.
ليس هناك متابعة ومراقبة شديدة لتسيير المال العام على مستوى النوادي التي ينفق بعضها ما يعادل 10 ملايين دولار سنوياً كميزانية تسيير ودفع الرواتب وتوقيع عقود اللاعبين، ولا توجد رقابة على مستوى الاتحاد الجزائري المقبل على أزمة مالية خانقة رغم مداخيل تتويج المنتخب باللقب القاري، بعدما تراجعت مداخيل الإشهار والممولين وعلى رأسها مداخيل الممول الرسمي موبيليس للهاتف النقال، وتراجعت حتى مداخيل حقوق البث التلفزيوني التي لم تدخل خزينته منذ موسمين بسبب تأخر التلفزيون العمومي في دفعها، دون أن ننسى صعوبات أخرى مرتقبة مع شركة الألبسة الرياضية التي قيل إنها “أديداس الأصلية” ليتضح أنها شركات وساطة لم تقدر على الوفاء بالتزاماتها مع الاتحاد الجزائري الذي وجد نفسه في ورطة لدرجة قد تلغي العقد “الوهم”.
الأزمة المالية المتزايدة التي انعكست سلباً على النوادي والمنتخبات الشبابية، ودفعت بالهيئة الكروية الجزائرية إلى مطالبة الوزارة الوصية بأموال الدعم التي كانت تتقاضاها كلّ سنة قبل أن يتنازل عنها المكتب الفدرالي السابق لصالح اتحادات رياضة أخرى كانت بحاجة إليها أكثر.
عملية التهديم التي تعرضت لها الكرة الجزائرية عن جهل وقصد في الوقت نفسه، لم تسمح بتطوير الكرة المحلية من طرف مكتب فدرالي تورط في إطلاق مشاريع إنجاز مرافق ومراكز تكوين هي من صلاحيات الدولة، ومن طرف سلطات عمومية لم تمارس دورها في الرقابة والمرافقة، بل اكتفت بالاستغلال السياسي لجيل فريد من نوعه من اللاعبين المحترفين الذين دعموا المنتخب الأول وقادوه للمشاركة في المونديال مرتين متتاليتين، ثم التتويج بلقب كأس أمم أفريقيا في مصر، دون أدنى اعتبار واهتمام بالفئات الشبابية وبالنوادي المحلية التي لم تُعد قادرة على المنافسة على البطولات القارية المحتكرة من طرف أندية تونس والمغرب ومصر إلى إشعار آخر تتغير فيه المعطيات عندما تلتفت السلطات الجزائرية إلى كوارث التسيير على مستوى الكرة الجزائرية.
حفيظ دراجي
العربي الجديد 28 فبراير 2020