المتتبع لآخر المستجدات على صعيد الهيئة الكروية الأفريقية خلال الفترة الأخيرة يدرك درجة الهيمنة التي بلغتها فيفا برئاسة جياني إنفانتينو، على هيئة أحمد أحمد، التي وجدت نفسها مضطرة مرة أخرى للتنازل وتغيير موعد إجراء نهائيات كأس أمم أفريقيا من الصيف إلى الشتاء ابتداء من دورة الكاميرون السنة المقبلة، رغم النجاح الباهر لآخر بطولة احتضنتها مصر في شهر يونيو الماضي بمشاركة أربعة وعشرين منتخباً، مما يؤدي إلى ارتباك ومتاعب أخرى للبلد المنظم والمنتخبات واللاعبين الأفارقة، خاصة المحترفين الذين سيجدون أنفسهم في مشاكل أخرى مع أنديتهم الأوروبية التي كانت دائماً معارضة لإجراء البطولة في بداية السنة، ما يحرمها من نجومها لفترة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أسابيع.
فيفا لم يكتف بذلك بل راح للضغط من أجل تنظيم البطولة القارية مرّة كل أربع سنوات بدلاً من إجرائها كلّ سنتين، واقترحت بالمقابل إنشاء بطولة جديدة للأندية الأفريقية تحت مسمى “دوري السوبر الأفريقي”، من أجل تسهيل عملية تجسيد مشروع إنفانتينو باعتماد صيغة جديدة لمنافسة كأس العالم للأندية بدءاً من صيف 2021 في الصين بمشاركة 24 نادياً من بينها ثلاثة أندية أفريقية فقط في سيناريو يؤكد بأن الرئيس الفعلي للكاف هو جياني إنفانتينو منذ أن قرر تكليف الأمينة العامة للفيفا السنغالية فاطمة سامورا بالإشراف على دواليب الكاف لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد بعدما طفت إلى السطح اتهامات بالفساد وسوء التسيير للهيئة القارية خاصة تلك التي فجرها السكريتير السابق للكاف السيد أحمد فهمي الذي اتهم رئيس وأعضاء الهيئة القارية بالفساد والتبذير، وتلك الفضيحة التي حدثت فنياً بمناسبة نهائي دوري أبطال أفريقيا بين الترجي والرجاء.
صحيح أن الهيئة القارية نزلت إلى أدنى مستوياتها في التسيير في عهد أحمد أحمد، لكن ذلك لا يقتضي أبداً تدخلاً مباشراً من طرف فيفا في شؤون الكاف لأنها ليست تابعة ولا خاضعة لها قانونياً ولا إدارياً، إذ لا يعقل أن تتدخل فيفا في تسيير شؤون الاتحاد الأوروبي، الآسيوي أو اتحاد أميركا الجنوبية مهما كان حجم الفساد وسوء التسيير أو خلل في تنظيم المسابقات، ولا يمكن للفيفا أن تتدخل وتفرض تغيير مواعيد مسابقات تلك الاتحادات القارية، أو تفرض تنظيم منافسة أخرى بعدما كانت القارة السمراء في عهد عيسى حياتو هي من تقرر وتفصل في انتخابات رئاسة فيفا وفي كلّ القرارات الكبرى التي تخصّ كرة القدم العالمية لأنها صاحبة أكبر عدد من الأصوات بأربعة وخمسين اتحادًا.
الكاف التي بلغت أدنى درجات الضعف والهوان في عهد أحمد أحمد بررت استسلامها لقرار فيفا بتغيير موعد كأس أمم افريقيا بالحرارة الشديدة في الكاميرون شهر يونيو، بعدما رضخت من قبل لقرار تعيين الأمينة العامة للفيفا مشرفة على الاتحاد الأفريقي بسبب تخوف الرئيس والأعضاء من متابعات قضائية لهم على خلفية قضايا الفساد وسوء التسيير التي تورطوا فيها على مدى فترة وجيزة تخللتها فضائح كثيرة تصدرتها قضية نهائي دوري أبطال افريقيا بين الترجي والرجاء الذي لم يتحدد بطله إلا بعد تدخل المحكمة الرياضية الدولية.
إنفانتينو لم يتوقف عند هذا الحد بل ذهب إلى درجة التهديد والوعيد مؤخراً خلال المؤتمر الدولي للصحافيين الرياضيين عندما قال إنه سيكون قاسياً تجاه فساد الكاف، لكن الحقيقة أنه يريد الاستثمار في ضعف الرئيس وتنفيذ كلّ مخططاته خلال السنة المتبقية من عهد أحمد أحمد الذي يكون قد طالب بإكمال عهدته والرحيل دون متابعات مقابل تسهيل مهمة إنفانتينو في تركيع الهيئة القارية ورسم خارطة كروية جديدة تعود بالمنفعة على النوادي والمنتخبات الأوروبية بالدرجة الأولى في ظل كثافة الروزنامة الكروية العالمية وزيادة حجم الرهانات الفنية والمادية للعبة الأكثر شعبية في العالم.
بعد التنازلات التي حصلت والمرتقبة صار الأفارقة يحنون إلى أيام حياتو بهمومها ومتاعبها، يخافون على مستقبل الكرة الأفريقية الذي يتقرر من خارج القارة، رغم كلّ الإنجازات والمكاسب التي تحققت بتضحيات الأجيال المتعاقبة من لاعبين وفنيين ومسيرين، لكن حال الاتحادات القارية لم يعد يختلف عن حال دوله التي فقدت سيادتها، وصار مصيرها يتقرر في مواقع أخرى من جهات أخرى لا تختلف عن إنفانتينو.
حفيظ دراجي
العربي الجديد 15 فبراير 2020