بمجرد أن لاحت في الأفق بوادر حرب كلامية بين ميسي وإيريك أبيدال السكرتير الفني لبرشلونة حتى بدأ القيل والقال في وسائط التواصل، والتوجس والتكهن في وسائل الاعلام التي راحت تتوقع معارك كبرى نحو السعي لاستقطاب النجم الأرجنتيني الغاضب، فانتشرت الاشاعات حول اقتراب موعد رحيل الأسطورة عن برشلونة نحو اليوفي، الانتر أو السيتي، في سيناريو يتكرر كل مرة عندما يغضب ميسي، وكل مرة بين كبار النوادي الأوربية التي أدركت بأن الأموال والنجوم الكبار هي التي تصنع الانجازات الكبرى وتسمح لها بالتتويج بالدوري المحلي ودوري الأبطال.
نفس الشيئ أثير حول رونالدو الذي سرب محيطه خبر اهتمام البايرن بخدماته قبل أن تكذبه إدارة البايرن وتعلن بأن تقدم اللاعب في السن لا يسمح له بالانضمام للفريق البافاري الذي يزخر بنجوم صغارا يضمنون مستقبل النادي، ويسمحون له بالعودة الى مصاف الكبار والتتويج بدوري الأبطال، حتى ولو اقتضى الأمر انتظار مرحلة نضج العناصر الشابة التي يزخر بها منذ رحيل الفرنسي ريبيري والهولندي روبن، ودخول النادي عهدا جديدا يتطلب صبرا جميلا.
بغض النظر عن صحة التوقعات من عدمها فان خطف ميسي أو رونالدو مكلف للغاية لكنه يقوي المختطف و قد يضعف البارسا واليوفي في سباق دوري الأبطال، لذلك تجد حتى من يملكون أكبر النجوم وأفضل اللاعبين يسعون باستمرار نحو الحفاظ عليهم وتدعيمهم بلاعبين كبار أخرين، وبالمقابل حرمان الأندية المنافسة من نجومها ضمن صراع متواصل بين القوى العظمى في كرة القدم التي فهمت بأن التتويج بلقب دوري الأبطال يبدأ من الإنفاق لاستقطاب الكبار على قلتهم في السوق الكروية العالمية اليوم لذلك ما زال رونالدو وميسي مطلوبان رغم تقدمهما في السن واقترابهما من النهاية الحتمية.
البعض يعتقد بصعوبة رحيل ميسي عن البارسا في الظرف الراهن لأن الفريق يعاني حتى بوجود نجمه، ولا يمكن لأي نادي شراء عقده حتى ولو كان اليوفي والانتر والسيتي بما لديهم من موارد مالية، كما أن الرجل هو صناعة كاتلانية لو خرجت منها سيكون مصيرها مثل السمك الذي يخرج من الماء، أما رونالدو الذي يستعيد شبابه كل يوم فلن يفرط فيه اليوفي على الأقل الى غاية نهاية عقده في انتظار ايجاد خليفة له لم تظهر معالمه لحد الأن سواء من داخل النادي أو خارجه، ليبقى استقطاب ميسي حلما يراود كل عشاق الكرة العالمية الذين يتمنون رؤية الثنائي الأفضل خلال العشرية الماضية في نفس النادي قبل نهاية مشواريهما، بقيادة غوارديولا مثلا كواحد من أفضل مدربي العالم !!
يصعب اليوم تصور رحيل ميسي عن البارسا أو رونالدو عن اليوفي لكن كل شيئ يبقى واردا في عالم تخطى كل حدود المنطق بقوة المال وقدرة مدربي نوادي اليوم على تسيير فريق كله من النجوم مثلما يفعل كلوب، غوارديولا وكونتي الذين يريدون المزيد من النجوم لمواجهة بعضهم البعض، ومواجهة موسم طويل وشاق قد يصل فيه عدد المباريات الى ستون مباراة في جميع مسابقات الموسم، ويتعرض فيه اللاعبون الى الاصابات مثلما يحدث مع لوروا ساني في السيتي، لويس سواريز ودمبلي في البرسا، وكذا ايدن هازارد مع ريال مدريد.
قد يقول البعض بأن استقطاب النجوم لا يكفي اذا لم يقودهما مدربا من حجم يورغن كلوب أو بيب غوارديولا أو كونتي مثلا، لأن قيادة نجوم اليوم صارت تقتضي مدربا يملك شخصية قوية وفلسفة كروية مثل الذي يحدث في ليفربول الذي انتدب مدربا كبيرا، وابتعد عن سياسة الاستناد على النجم الأوحد وتوجه نحو الاعتماد على نجوم كثر في مختلف المناصب حتى لا يتأثر برحيل أي لاعب مهما كان. ليفربول يضم أفضل حارس في العالم وافضل ظهيرين وقلب دفاع ، وأحسن ثلاثي خط هجوم ، ومع ذلك يفكر اليوم في استقدام سانشو المهاجم الصاعد لنادي دورتموند، والمهاجم الفرنسي كيليان مبابي، لحرمان منافسيه من خدماتهم وتقوية المنافسة بين اللاعبين داخل الفريق، ما يضمن استمراره في السيطرة على الدوري الانكليزي ودوري الأبطال .
ميسي في اليوفي مع رونالدو بقيادة غوارديولا، أو رونالدو مع ميسي في البرسا بقيادة كلوب، يبقى حلما قد لا يتحقق، لكن قوة المال تصنع المعجزات في عالم تعدى حدود فكرة اعتبار الكرة مجرد لعبة، لتتحول الى تجارة وصناعة وثقافة تتخطى كل حدود المعقول سعيا للربح والفوز الدائمين.
حفيظ دراجي
القدس العربي 12 فبراير