صنع النجم الجزائري رياض محرز الحدث بتسجيله الهدف القاتل في مرمى نيجيريا الأحد الماضي، ومنح به التاهل لمنتخب بلاده إلى نهائي كأس الأمم الإفريقية الجارية أحداثها في مصر، ثم تسجيله هدفا لا يقل أهمية في مرمى النائب الفرنسي يوليان لادول عن التجمع الوطني الفرنسي المتطرف الذي تمنى خسارة المنتخب الجزائري أمام السنغال في نصف النهائي، حتى لا تشوش الجماهير الجزائرية على احتفالات العيد الوطني الفرنسي في اليوم التالي، والمصادفة للرابع عشر يوليو/تموز، وهو الأمر الذي حز في نفس رياض محرز المولود في فرنسا والحامل للجنسية المزدوجة، حيث كتب رياض على حسابه في «تويتر» قائلا: «الهدف الذي سجلته في اللحظات الأخيرة من مخالفة مباشرة أهديه لك وسيستمر الفرنسيون والجزائريون سويا برايتيهما».
المغردون تناقلوا بقوة تغريدة رياض محرز في مختلف شبكات التواصل الاجتماعي ولقيت انتشارا واسعا في يوم العيد الوطني الفرنسي، الذي كان يوما عصيبا على السلطات الامنية الفرنسية، التي وجدت نفسها في مواجهة السترات الصفراء صباحا ثم السترات الخضراء التي ترمز للراية الوطنية الجزائرية، مساء مباشرة بعد نهاية مباراة الجزائر ونيجيريا، التي خرج فيها الجزائريون في مختلف المدن الفرنسية يحتفلون بالتأهل إلى النهائي، مثلما كان الحال عندما تأهلت الجزائر إلى نصف النهائي على حساب كوت ديفوار في الحادي عشر من الشهر ذاته، وتخللتها أحداث شغب اثر تدخل الشرطة الفرنسية لمواجهة المحتفلين بالتأهل.
رياض محرز سجل بهذه التغريدة ثنائية تاريخية في يوم العيد الوطني الفرنسي، بل ثلاثية عندما وقع هدف تأهل المنتخب الجزائري إلى النهائي، ثم رد على النائب الفرنسي المتطرف، وسجل هدفا ثالثا في مرمى منتقديه من محللي البلاتوهات في الجزائر الذين لا يحملون رياض ومن معه في قلوبهم، وكانوا دائما يعتبرونه «لاعبا عاديا» ويقللون من شأنه وشأن كل اللاعبين الجزائريين المحترفين (المغتربين)، ويشككون في ولائهم للوطن الأم ومنتخب بلادهم الجزائر، رغم تألقه مع ليستر ثم السيتي وتتويجه بألقاب فردية وجماعية لم يسبق لأي لاعب جزائري أن حصل عليها عبر التاريخ، مثل لقب أفضل لاعب في الدوري الإنكليزي ولقب البريميرليغ مرتين وكأس الرابطة وكأس انكلترا.
تسجيل محرز للهاتريك داخل الميدان وخارجه، لم يرتبط بالشباك فقط، بل إمتد إلى من أراد رمي سلبية شباكه على كل إيجابي لرياض الذي برهن كعادته أن الرد تارة يأتي بأهداف صامتة ومرات يكون بحبر منطوق يوازي التسجيل أو يفوق. ثلاثية رياض محرز قد تصبح رباعية، بل خماسية أو سداسية اذا توج غدا الجمعة بلقب أفضل هداف ولقب أفضل لاعب في البطولة، وكذا بلقب كأس أمم افريقيا لأول مرة مذ تسعة وعشرين عاما، بعد مشوار رائع يخوضه مع المحليين والمحترفين (المغتربين) الذين وجدوا أنفسهم يصارعون على كل الجبهات الداخلية والخارجية رغم مهاراتهم وخدماتهم وولائهم لوطنهم أكثر ممن ينتمون إليه بمكان المولد فقط، اللاعبون سيفعلون مثلما سبق وأن فعل مدربهم جمال بلماضي لما كان لاعبا في المنتخب، ويفعل اليوم وهو على رأس الخضر ويصنع الفارق، خاصة بالروح العالية التي غرسها في لاعبيه وجعلت منهم محاربين حقيقيين يقاتلون من أجل منتخب بلادهم ويلقون كل التعاطف والاعجاب بشكل لم يسبق له مثيل مع أي مدرب محلي من قبل، رغم حملات التشكيك من السياسيين المتطرفين في فرنسا ومن المحللين «المتطرفين» أيضا في الجزائر، الذين رد عليهم رياض محرز فوق الميدان بدون الاشارة إليهم بطريقة مباشرة تقليلا من حجم النافخ في الهواء.
الروح التي يلعب بها محرز ورفقاؤه تسقط كل الاتهامات مهما كانت نتيجة المباراة النهائية غدا، ما دامت الجماهير الوفية مقدرة لكتيبة بلماضي، تثمن الجهد وتشجعه ولا تفرق بين اللاعب المحلي واللاعب المغترب من أصول جزائرية الذي يجد نفسه في مواجهة جبهات متطرفة داخلية وخارجية من أصحاب النفوس المريضة التي تغذي الحقد والكراهية وتستفز الجماهير في مختلف المنابر الإعلامية من خلال التقليل من جهد اللاعبين والتقليل من شأن الأداء المتميز الذي يلقى اعجاب العالم كله إلا عند بعض فلاسفة الكرة في الجزائر وفلاسفة السياسة الفرنسية المتطرفة التي افتخرت مثلا بزيدان عندما توج بكأس العالم سنة 1998، لكن ذكرتنا بأصوله الجزائرية عندما نطح ماتيرازي في مونديال ألمانيا 2006!
ما نستطيع قوله إنه إذا كان محرز يسرق الأضواء بتألقه، سيقال عنه بأنه سارق سلبي، وإذا جانب ما عودنا عليه سيقال إنه لاعب عادي، الأكيد أن الأمر أصبح أشبه بالباحث عن نقطة سوداء في رداء أبيض، والجزائريون الآن بحثوا ويبحثون عن محرز فرحا حتى بتنفيذه لرمية تماس، لنختصر الكلام بالقول صدق المناصرون وكذب فلاسفة التعتيم.
حفيظ دراجي
القدس العربي 18 يوليو 2019