سيناريو غير متوقع تماما هذا الذي يحدث في القاهرة بمناسبة نهائيات كأس أفريقيا للأمم التي كان فيها المتابعون يرشحون مصر محمد صلاح البلد المنظم، ومغرب زياش والماكر ايرفي رونار للتتويج باللقب، لتخرج الجزائر ممتطية حصانا أسود وتصنع الحدث بتأهلها بامتياز إلى الدور ربع النهائي، وتعود تونس إلى الواجهة من بعيد رغم المعاناة والأداء الشاحب في الدور الأول، وتصنع مدغشقر الحدث ثلاث مرات في ظرف وجيز بتأهلها إلى النهائيات لأول مرة في التاريخ، ومرورها إلى الدور الثاني في ريادة المجموعة في ظل وجود نيجيريا، ثم بلوغها ربع النهائي على حساب جمهورية الكونغو لتواجه تونس في وقت ستلتقي الجزائر مع كوت دويفوار في ربع نهائي مكرر لذلك الذي حدث منذ عشر سنوات في أنغولا.
بعد الخروج المفاجئ لمصر والمغرب في الدور ثمن النهائي، صارت الجزائر المرشحة الأولى للتتويج باللقب القاري بشكل مفاجئ وغير متوقع تماما بالنظر للتراجع الذي عرفه منتخبها على مدى خمسة أعوام أشرف عليها خمسة مدربين، قبل أن يلتحق جمال بلماضي بالعارضة الفنية منذ عشرة أشهر ويخطف الأضواء ليصبح حديث العام والخاص بفضل الشخصية التي فرضها والروح التي بعثها في نفوس لاعبيه وهوية اللعب التي رسمها وسمحت له بتسجيل تسعة أهداف في أربع مباريات بدون أن يتلقى أي هدف لحد الآن، رغم اشراك واحد وعشرين لاعبا في الدور الأول، بعدما أقحم تشكيلة مختلفة في المواجهة الثالثة أمام تنزانيا التي فاز فيها بالثلاثة.
بلماضي قلب الموازين وأعاد الروح لنفس اللاعبين الذين كانوا بحوزة سابقه رابح ماجر، وجعل من محرز قائدا مبدعا واسماعيل بن ناصر قلبا نابضا، ومن بونجاح وبلايلي قوة هجومية ضاربة، وأعاد الثقة لعطال وبن سبعيني وبلعمري وماندي الذين لم تهتز شباكهم في أربع مناسبات، كما جعل من أدم وناس هدافا للمنتخب والبطولة ومن ياسين ابراهيمي لاعبا احتياطيا راضيا وسعيدا بوضعه الجديد، وهو الذي كان أحد نجوم المنتخب على مدى سنوات. بلماضي عاد بالجزائريين إلى أيام زمان، وأعاد لهم البسمة ورسخ التفافهم حول منتخبهم مجددا من أجل هدف كان بعيد المنال على مدى سنوات، مثلما التفوا في حراكهم الشعبي كرجل واحد حول مطالب وغايات يريدون من خلالها الانتقال بالجزائر إلى عهد جديد.
يبدو أن الجزائر حفزت تونس التي تأهلت من جهتها إلى الدور الثاني لكن بدون اقناع في الدور الأول الذي حققت فيه ثلاثة تعادلات قبل أن تخرج غانا بامتياز في ثمن النهائي بركلات الترجيح بدون أن تحقق أي فوز لحد الآن لتعود إلى الواجهة وتعيد كامل حظوظها، بل إنها خلطت أوراق البطولة، خاصة وأن طريقها نحو النهائي الرابع لها في التاريخ يبدو أسهل في مواجهة مدغشقر والسنغال أو بنين، مقارنة بالجزائر التي ستواجه كوت ديفوار وبعدها نيجيريا أو جنوب افريقيا اذا واصلت المشوار ليلتقي المنتخبان في نهائي مغاربي مكرر لنهائي 2004 الذي جمع المغرب بتونس وشهد أول تتويج تونسي باللقب القاري.
تونس كشرت عن أنيابها، وصار لاعبوها أقوى ذهنيا ونفسيا بعد كل الانتقادات التي طالتهم ولم يسلم منها مدربهم آلان جيراس الذي سيتحمل مسؤولية أي اخفاق أمام مدغشقر الليلة، خاصة وأن حلم الوصول إلى النهائي يراود الجماهير التونسية التي تحلم بلقب ثان على أرض الفراعنة، يكون له طعم مغاير لطعم التتويج الوحيد لتونس على أرضها سنة 2004، وهو نفس الطموح الذي يراود الجزائريين بجيل يستحق التتويج بدوره باللقب القاري الثاني في تاريخ الجزائر في ظروف مغايرة ومختلفة تماما عما سبق وبوجه لم يسبق له مثيل صار محط اعجاب وتقدير كل عشاق الكرة.
مصائب قوم قد تتحول إلى فوائد عند قوم آخر، فيتحول اخفاق مصر والمغرب إلى انجاز جزائري وتونسي ببلوغهما النهائي، ويتحول تذمر التوانسة من مدربهم ولاعبيهم إلى اعتزاز وافتخار بمنتخبهم، مثلما ستتحول نقمة الجزائريين على المدرب السابق رابح ماجر وبعض المحللين المتشائمين والمحبطين للمعنويات الى نعمة بفضل جمال بلماضي الذي يكتب تاريخا جديدا للكرة الجزائرية عندما حول منتخب محطم ومهدم الى منتخب ممتع ومبدع في ظرف بضعة أشهر كان يتطلب سنوات من الجهد والعمل.
ما يفعله المنتخبان الجزائري والتونسي يؤكد أن الترشيحات القبلية قد تسقط في الميدان إذا كانت الارادة أساس صنع الفارق، فالجزائر أسس فيها بلماضي لعهد جديد أعاد فيه اكتشاف اللاعبين، بل أخرج الصورة الأصلية لهم وبرهن أن المشكلة متعلقة بالذهنيات قبل الفنيات، أما تونس فعادتها دائما صنع الحدث عندما تأتي من الظل، تونس والجزائر الآن غيرا الصورة النمطية لكأس افريقيا في انتظار ان يجسد احدهما القطيعة مع الترشيحات القبلية.
حفيظ دراجي
القدس العربي 11 يوليو 2019