hafid derradji

فسادنا وفساد ألمانيا!

لا تزال استقالة رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم رينهار غريندل من منصبه الأسبوع الماضي تثير ردود الفعل والجدل هنا وهناك، خاصة أن الأمر يتعلق بواحد من أكبر الاتحادات في العالم، بسبب ساعة يد قيمتها ستة آلاف يورو تلقاها الرجل هدية من نائب رئيس الاتحاد الأوكراني الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس الاتحاد الأوروبي، بدون أن يكون لذلك أي تأثير على قراراته كما قال للصحافيين، لكن رمزية قيمة ونوعية الهدية وإسقاط الواقعة على حال كرتنا العربية والافريقية ومسؤولينا على كل المستويات، يثير فينا الغيرة من الاعتراف والاستقالة، ويطرح تساؤلات كثيرة حول حجم الهدايا والرشاوي المتداولة في كل الأوساط عندنا، بدون اعتراف أصحابها واعتذارهم وتنحيهم، وبدون متابعتهم قضائيا بتهم الفساد.


قرار التنحي الذي اتخذه رئيس الاتحاد الألماني، تبعه استقالته من منصبيه في الاتحادين الدولي والأوروبي بعد أسبوع على استقالته من الاتحاد المحلي على خلفية اعترافه بقبول الهدية بدافع «اللباقة» بدون أن يكون لذلك أي تأثيرعلى قراراته وبدون أن يدخل في تضارب مصالح، كما قال في تصريحاته الصحافية، لكن شجاعة الرجل في تحمل مسؤولية تصرفه تذكرنا بحجم الفضائح التي كشفتها وسائل الإعلام العربية على مدار السنين، وتلك الخفية حول حجم الهدايا التي وزعت والرشاوي التي سلمت في عالمنا العربي مقابل اتخاذ قرارات وتغيير مواقف أثرت بطريقة مباشرة على مباريات ومنافسات وهيئات رياضية وغير رياضية حتى صار الأمر قاعدة عامة، من يخرج عنها يعتبر شاذا وشخصا غير سوي لا مكان له في منظومة الفساد المتفشي على كل المستويات.


الأمر في ألمانيا يتعلق بقبول هدية خاصة متمثلة في ساعة يد قيمتها ستة آلاف يورو «فقط»، وصفها صاحبها بالسلوك «غير المثالي» واستقال من كل مناصبه، لكن بلداننا شهدت فضائح لا حصر لها عبر التاريخ لرؤساء اتحادات عربية ومسؤولين رياضيين قبلوا هدايا وطالبوا برشاوي مقابل اتخاذ قرارات مؤثرة في المشهد الرياضي والكروي، لكنهم لم يستقيلوا ولم تعترضهم العدالة ولم يفضحهم الإعلام، امتدادا لوضع عام ينخر أجساد بلدان ومؤسسات غرقت في فساد لا حصر له، كانت له انعكاسات على المعنويات والممارسات وحتى المؤسسات والدول.
بيننا وبينهم فوارق في حجم الممارسات وفوارق في المتابعات تعكس فوارق أخلاقية وفكرية وقانونية بين مجتمعات متطورة وأخرى متخلفة، وبين مجتمعات يعتبر فيها المسؤول خادما مسؤولا عن أمانة، ومجتمعاتنا التي تعتبر المسؤول سيدا فوق القانون بعيدا عن أعين العدالة وتحقيقات الإعلام الذي كثيرا ما يكون بدوره متواطئا بتستره على فضائح سوء تسيير وخيانة الأمانة والثراء الفاحش في مختلف المواقع، لكنه كثيرا ما كان جزءا من المنظومة، و قبل هدايا من هذا النوع من أجل تلميع صورة أو التستر على فضيحة!


كم من ساعة يد تسلمها رؤساء اتحادات عربية؟ كم من سيارات ومساكن وأموال تسلمها الوزراء والمدراء في مختلف المواقع؟ كم من قرارات ظالمة ومجحفة اتخذوها نظير الهدايا والرشاوي التي تسلموها في كل القطاعات؟ وفي المقابل كم من مسؤول رياضي تمت تنحيته بسبب الفساد، وكم من مسؤول استقال من منصبه بسبب أخطاء ارتكبها في ممارسة مهامه؟ أسئلة كثيرة تطرح وجوابها واحد، أن لا أحد يرحل إن لم يغادر بالإقالة، ولا أحد أقيل بسبب فشله في التسيير وتحقيق النتائج المرجوة، بل سيقال لأنه لا يقبل الممارسات اللاأخلاقية وغير القانونية لأنه شخص غير سوي ولا ينسجم مع الواقع الذي لا مكان فيه لأصحاب الضمير والأخلاق والكفاءات، واقع كل شيء فيه معكوس.


ما فعله رئيس الاتحاد الألماني، يفعله المسؤول الألماني في كل المجالات، لذلك شهدت ألمانيا نهضة شاملة لبلد تم تهديمه كلية من طرف قوى التحالف بعد الحرب العالمية الثانية، لكن الألمان تمكنوا من إعادة بنائه على أسس جعلت منه قوة سياسية، عسكرية واقتصادية كبيرة استندت على الشفافية في تسيير الشأن العام في وقت استندنا نحن إلى الرداءة المعلبة والرشوة الجاهزة والفساد في بناء مؤسساتنا وتنشئة أجيالنا المتعاقبة حتى صارت الرشوة «شطارة» والفساد «حضارة» والتخلف «نموا وتطورا» وقاعدة يسير عليها من لا قواعد ولا مبادئ له سوى مزيد من الربح والانتفاع. ألمانيا مثال واقعي لمن يريد الوصول إلى ما حققته، لأنه غالبا في عرفنا يقال في أي حرب على الفساد بأننا نحارب شيئا غير واقعي، على هذا الأساس يصاب المحارب بالفشل حتى قبل أن يبدأ، ذلك هو أسلوب الحياة الذي فرضته الظروف، والحل لمشكلتنا يتمثل في محاربة أنفسنا لطرد المعتقدات الجاهزة حول الفساد قبل أن نتحرك لمطاردته على أرض الواقع بدون الذهاب إلى أرض ألمانيا أو أخذ العبرة من رئيس الاتحاد الألماني.

حفيظ دراجي

القدس العربي 18 أبريل 2019

إعلامي جزائري

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل