يبدو أن الثورة الشعبية التي يخوضها الجزائريون منذ الثاني والعشرين من فبراير/شباط لن تتوقف عند الإطاحة بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وكل الجماعة التي اختطفت مؤسسات الدولة منذ سنوات، بعدما راحت الجماهير تطالب برحيل كل النظام السياسي وأذرعه المالية وكذا الرياضية، التي كانت على مدى سنوات جزءا من منظومة الفساد، باعتراف الفاعلين ذاتهم الذين خرجوا هذه الأيام بالموازاة مع الحراك ليكشفوا عن فضائح لا حصر لها خاصة في كرة القدم، بل طالبوا برحيل رئيس الاتحاد الجزائري ومكتبه الفيديرالي الذي يقر الجميع بأنه صنيع المنظومة نفسها التي اختطفت الهيئة الرياضية ومنتخب الكرة بتواطؤ من منابر اعلامية ساهمت عن دراية أو بدون وعي في عملية التهديم التي طالت كرة القدم الجزائرية امتدادا لعمليات تهديم ممنهجة على مستويات عدة.
الفاعلون في شؤون الكرة خرجوا هذه الأيام تباعا، كاشفين خبايا الخروقات القانونية التي ميزت انتخابات الاتحاد الجزائري منذ سنتين، والتي شابها تزوير كبير قاده شقيق الرئيس ورجل الأعمال علي حداد، الموجود رهن الحبس الاحتياطي منذ أسبوع. التزوير تم بتواطؤ أذرع إعلامية ساهمت بشكل مباشر في مرافقة التحايل عل القوانين والتستر على فصول مسرحية انتخاب الرئيس الجديد وأعضاء مكتبه الذين تم اختيارهم من أطراف خارج أسرة كرة القدم، لينسحبوا الواحد تلو الآخر بسبب الضغوطات المفروضة عليهم إثر فشلهم في التسيير. كما عادت إلى الواجهة تفاصيل تعيين ثلاثة مدربين أجانب وثلاثة مدربين وطنيين، في ظرف سنة ونصف السنة، بينهم المدرب الأسبق رابح ماجر الذي عينه السعيد بوتفليقة، وكان ماجر أعلن صراحة اعتزازه بتعيينه من طرف الحكومة، بدون أن ننسى تعيين واقالة مدربي الفئات الشبانية في ظرف وجيز بايعاز من تلك الجهات التي كانت تتحكم بالكرة.
مع استمرار الحراك الشعبي خرجت أطراف فاعلة أخرى تتحدث عن فضائح رشوة وبيع وشراء لمباريات دوري المحترفين، الذي أجمع الكل على أنه تحول إلى دوري للمنحرفين، من خلال تفشي ظاهرة تناول المنشطات والمخدرات في أوساط اللاعبين، وتفشي عمليات البيع والشراء للمباريات، مثلما صرح بذلك رئيس نادي اتحاد عناية هذا الأسبوع، عندما كشف أنه أنفق ما يقارب نصف مليون دولار لرشوة الحكام والمسيرين، مقابل صعود فريقه إلى دوري المحترفين الموسم الماضي، وخرج قبله رئيس نادي شبيبة الساورة يتحدث عن تورط شقيق رئيس الاتحاد في عمليات فساد ورشوة مارسها باسم نادي بارادو الذي تعود ملكيته لرئيس الاتحاد.
الحراك الشعبي حرر الإعلاميين الذين راحوا يكشفون عن فضائح إدارية وتنظيمية وأخرى مالية تتعلق بتجديد عقد الاشهار والتمويل بالعتاد مع شركة «أديداس» من خلال التعامل مع وسيط هو مجرد بائع جملة للألبسة الرياضية مقيم في فرنسا، علما أن الجزائر تقع تجاريا في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ولا يمكنها التعامل مباشرة مع إدارة الشركة الأم في فرنسا التي تهتم بمتعامليها في أوروبا، كما عادت إلى السطح فضائح التأخر في تقديم ملف ترشح أحد أعضاء المكتب الفيديرالي إلى انتخابات اللجنة التنفيذية للكاف، والتأخر في إصدار تأشيرة دخول الأراضي البريطانية للمدرب الوطني السابق رابح سعدان.
رحيل بوتفليقة والجماعة المحيطة به والتي أحكمت سيطرتها على كل القطاعات في الجزائر، بما في ذلك مجال كرة القدم، زاد من حدة الانتقادات وحجم المطالب بضرورة رحيل رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم ومكتبه والعودة إلى الشرعية القانونية في أسرع وقت ممكن، وهو الأمر الذي حاول تجاوزه السيد خيرالدين زتشي من خلال قراره بتأجيل الجمعية العمومية العادية التي كانت مقررة في مارس/آذار الماضي خوفا من سحب الثقة منه من طرف أعضاء الجمعية العمومية، وهو الأمر المتوقع حدوثه قريبا في ظل تصاعد الاحتجاجات التي انطلقت من مدرجات الملاعب التي وصفت بكونها برلمان المناصرين الذين سبقوا الساسة ونشطاء الحراك في التنديد بممارسات ما وصفت بالجماعة الفاسدة، والمطالبة برحيلها انطلاقا من مبدأ فساد الكرة من فساد مؤسسات الدولة.
بوتفليقة رحل بضغط من الشارع وجماعته سترحل كلها تباعا، بما في ذلك من اختطفوا كرة القدم ومنتخب الكرة وكل الذين عاثوا فيها فسادا، من خلال رشوة الحكام والمسيرين وكل الفاعلين استنادا لمبدأ «ما بني على باطل فهو باطل»، واستجابة لارادة جماهير الكرة التي فقدت نكهة الاستمتاع باللعبة الأكثر شعبية في الجزائر بعدما تفطنت لكل الممارسات المافياوية.
أما منتخب كرة القدم الذي كان الغطاء الصلب للنظام الجزائري طيلة عقد من الزمن، وبعد أن تراجعت نتائجه، إنكشف الجزء الأسود للنظام، بل إن النظر إلى الفساد لم يصبح معتما كما من قبل، وأصبح كل شيء واضحا بعد أن تحررت الأقلام المقموعة بالأفعال الموجهة لجماعة السلطة، الثورة السلمية عرت كل شيء وكشفت الوقائع بالدلائل، ولم يعد هناك ما يغطى او ما يتستر عليه، حتى الفشل صار مكشوفا للجميع بعدما تكسر جدار الصمت والخوف.
حفيظ دراجي
القدس العربي.. 11 أبريل 2019