المتتبع للمباريات الثلاثة الماضية بين الريال والبارسا طفت إلى ذهنه تساؤلات وتحاليل متباينة حول كلاسيكو الأرض الذي يعتقد الكثير بأنه لم يعد كما كان من الجانب الفني في نظرهم ولم يعد سوى مجرد موعد كروي للاستهلاك الاعلامي والجماهيري بعدما فقد نكهته منذ رحيل رونالدو عن الريال وانتهاء القطبية الثنائية بين العملاقين الذين منحا نكهة خاصة للمواجهة طيلة عقد من زمن، في وقت ذهب بعض المتتبعين إلى اعتبار هذا الحُكم بمثابة ظلم كبير لمنتوج اسباني عريق ومثير يترقبه عشاق الكرة في العالم كل موسم، لكن هناك من يعتبر بأن الكلاسيكو مجرد مباراة عادية جعل منها الإعلام والأجيال الجديدة من الجماهير حدثا لا يستحق كل هذه الهالة منذ أن تم اختزاله في مجرد تنافس بين رونالدو وميسي في وقت يعج عالم الكرة بداربيات ومواعيد كروية لا تقل مستوى ولا اثارة..ينقصها الاهتمام الجماهيري والاعلامي
الأكيد أن الكلاسيكو بالنسبة للاسبان عبر كل الأزمنة كان موعدا كرويا لتصفية حسابات سياسية و تاريخية بين الكاتالونيين والمدريديين، تطور مع الوقت ليصبح مسرحا للتنافس والتراشق ومحاولة اثبات الذات بين مدينتين وجمهورين مثلما يحدث عادة مع داربيات عالمية أخرى مشهورة في العالم نشأت لأسباب مختلفة وكبرت مع الوقت، ومع تطور وسائل الاعلام و وانتشار وسائط التواصل الحديثة جعلت منه موعدا عالميا وليس مجرد حدث اسباني خالص كما هو الحال مع كل داربيات العالم في كل القارات والتي صارت تعني كل عشاق الكرة وليس فقط أهل المدينة الواحدة أو البلد الواحد.
مع ازدياد شعبية الكلاسيكو عالميا ازدادت قيمة الحدث محليا وعالميا، اعلاميا وجماهيريا لكن في نظر البعض لم يعد هو الأفضل فنيا مقارنة بداربيات أخرى خاصة هذا الموسم اثر مغادرة رونالدو للريال وفي فترة شهدت اجراء أربع مواجهات خسر منها الريال ثلاثة وتعادل في واحدة فصار برشلونة أول فريق في التاريخ يفوز على الريال في ثلاث مباريات خلال الموسم الواحد من أصل أربعة، كلها لم تكن كسابقاتها من حيث التنافس والاثارة والمتعة كما كانت في وجود رونالدو، ولم يبدع فيها ميسي مثلما كان يبدع في داربيات سابقة كانت منصة لتحطيم الأرقام تلو الأخرى بين قطبي الكرة العالمية، وفرصة لاستعراض العضلات وللاثارة والمتعة والتحدي.
صحيح لا يمكن اختزال صراع العملاقين في رونالدو وميسي لأنه يمتد عبر التاريخ و وجد قبل أن يأتي زمنهما لكن الأكيد أن الكلاسيكو لم يكن كما كان في زمانهما، ولن يكون كما كان بعد اليوم خاصة عندما يرحل أو يتوقف ميسي عن اللعب والدليل أن عشاق الريال لم يعد لديهم نفس الحافز منذ رحيل رونالدو حتى أن البعض رحل معه لمناصرة يوفنتوس، فما بالكم عندما يرحل ميسي عن البارسا في ظل غياب وجوه جديدة من النجوم الصاعدة التي بامكانها أن تنسينا الثنائي التاريخي الذي زاد من شعبية الكلاسيكو ومتابعيه في اسباني وعبر العالم.
رحيل رونالدو عن الريال كان خسارة لكلاسيكو الأرض لكن رحيل ميسي لاحقا عن البارسا لن يكون مجرد خسارة للكلاسيكو والبارسا فقط بل لكل عشاق الكرة الذين سيفتقدون إلى براعة ومهارة لم يسبق لها مثيل، أما اختزال الكلاسيكو في فترة زمنية معينة في إسم أو إسمين من بين كل اللاعبين فيه ظلم وأحكام قاسية عل موعد رياضي يهتم به كل العالم ويخطف الأضواء في الأوساط الاعلامية والجماهيرية ويبقي على استمرار المنافسة الأبدية بين الغريمين مهما تغيرت أسماء المدربين واللاعبين مادام أصل الحكاية هو واحد يمتد إلى الى أكثر من قرن من الزمن في مواجهة بين مدينتين كبيرتين تحملان لواء القومية الكاتالونية من جهة والمدريدية من جهة أخرى انعكست على كل مناح الحياة الأخرى بما في ذلك الكروية ذات الشعبية الجارفة في العالم.
الصراع التاريخي السياسي والثقافي والرياضي بين المدينتين والقوميتين استمر واشتد مع الوقت لينعكس بدوره على عشاق الكرة ليس فقط في اسبانيا، بل امتد الى كل متيم بالفريقين في العالم اجمع وانعكس على الجماهير و وسائل الاعلام، ومن ثمة على متعة كرة القدم التي ازدادت مع الوقت من خلال تنافس الفريقين الشرس على استقدام النجوم وتحقيق الألقاب لكن الأكيد أيضا أنه مع الوقت بدأ الناس يتجاوزون الكثير من الأحقاد والحساسيات مما سينعكس على حجم المستوى والاثارة ليعود الكلاسيكو يوما ما إلى حجمه الطبيعي ويصبح مجرد مباراة في كرة القدم كل فريق يحاول الفوز بها مهما كانت الأسماء التي تصنع الفرجة لكن هناك من يجزم ان الكلاسيكو سيبقى محتفظا بخصوصيته وسيبقى يحمل كلاسيكو الأرض بعدما اصبح ذاكرة جماعية مصغرة لكرة القدم والتاريخ يحفظ التفاصيل في انتظار ان يحمل التاريخ المستقبلي جديدا لكن الاكيد حسب المولعين به انه لن يجرده من بهاراته..
حفيظ دراجي
القدس العربي 6 مارس 2019