hafid derradji

… وتحققت المعجزة الموريتانية!

صنع المنتخب الموريتاني الحدث، بل المعجزة  بوصوله الى نهائيات كأس أمم افريقيا لكرة القدم لأول مرة في تاريخ المنافسة، ليصبح خامس منتخب من شمال افريقيا يضمن تأهله الى النهائيات في سابقة أولى في تاريخ البطولة بعد تأهل مصر وتونس والمغرب والجزائر في انتظار المنتخب الليبي الذي يكفيه الفوز في مباراته الأخيرة أمام جنوب افريقيا لضمان تأهله كسادس فريق من أصل أربعة وعشرين منتخبا منتظر حضورهم في نهائيات صيف 2019، التي قد تحتضنها المغرب بسبب تأخر انتهاء أشغال التهيئة وبناء المرافق والملاعب في الكاميرون المنظمُ المفترض للنسخة المقبلة اذا لم يسحب منه التنظيم الشهر المقبل!

الإنجاز الموريتاني الأول من نوعه في تاريخ البلد صنع الحدث في وسائل الاعلام المحلية والعالمية، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة وأن منتخب المرابطين جاء أول المجموعة أمام أنغولا وبوركينا فاسو بعدما حقق أربعة انتصارات من خمس مباريات خاضها، وجاء ليؤكد صحوة كروية بدأت سنة 2014 وتأكدت أربع سنوات بعد ذلك بتأهل المنتخب إلى كأس أمم افريقيا للمحليين مرتين متتاليتين في رواندا، ثم المغرب سنة 2018، وبعدها جاء التأهل المستحق لأول مرة إلى نهائيات كأس أمم افريقيا بفضل جيل من اللاعبين المميزين، قادهم على مدى أربع سنوات الدولي الفرنسي السابق كورنتين مارتينز كمدرب، مستفيدا من الثقة والوقت الكافيين لتحقيق الإنجاز التاريخي.

المتابعون للشأن الكروي الموريتاني يعتقدون بأن الإنجاز لم يكن مفاجأة ولا وليد الصدفة، بل كان تحصيل حاصل لجهد كبير على مدى يقارب الخمس سنوات من العمل مع جيل جديد من اللاعبين، تنشط غالبيتهم في ناديين محليين، هما تفرغ زينة وجمعية كونكورد إضافة الى بضعة محترفين في تونس والمغرب ومصر، في حين يرى بعض الملاحظين أن تألق المنتخب الموريتاني وتأهله الى النهائيات لأول مرة برفقة منتخب مدغشقر هو تحصيل حاصل لاستفادتهما من ارتفاع عدد المنتخبات المشاركة في النهائيات، ليصبح أربعة وعشرين فريقا بعدما كان ستة عشر منتخبا في الدورة السابقة، في وقت يستبعد البعض الآخر هذا العامل استنادا لقيمة منتخبات المجموعة التي تأهلت منها موريتانيا والتي تضم أنغولا وبوركينا فاسو اللتين ستتصارعان من أجل التأشيرة الثانية في المجموعة.

بغض النظر عن الأسباب والعوامل المباشرة وغير المباشرة واختلاف المتابعين بشأنها فإن لا أحد يشك في الاستحقاق الموريتاني وبداية تغير الخارطة الكروية الافريقية بتألق منتخبي موريتانيا ومدغشقر اللذين كان يصنفان ضمن خانة الصغار، لكنهما استفادا كثيرا من صعود رئيس الاتحاد الموريتاني أحمد ولد يحيى الى مصاف المؤثرين في الكرة الافريقية منذ انتخابه عضوا في اللجنة التنفيذية للكاف سنة 2017 بعد اعتلاء الملغاشي أحمد أحمد رئاسة الاتحاد الافريقي لكرة القدم، مساهما بدوره في تحرر منتخب بلاده واستفادته من علاقاته القوية قاريا ودوليا في تطوير اللعبة في بلده، فانعكس ذلك بالإيجاب على الكرة الموريتانية وعلى منتخب مدغشقر الذي تأهل بدوره اثر احتلاله المركز الثاني بعد السنغال في مجموعة تضم السودان وغينيا الاستوائية.

رئاسة الملغاشي أحمد خلفا للكاميروني حياتو خدمت منتخب مدغشقر بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ورئيس الاتحاد الموريتاني رفض الاستسلام للخمول الذي خيم على الكرة الموريتانية لأنه لم يكن قدرا محتوما بحسب تصريحاته منذ سنوات، فراح يؤسس لعلاقات جديدة مع الفيفا التي سمحت له بالاستفادة من عديد مراكز التكوين والتدريب ضمن برامجها لتطوير اللعبة في أفريقيا، واستثمر في علاقاته مع الاتحادات القارية الأخرى، مستفيدا من تجاربها ومن علاقاته مع رؤساء الاتحادات القارية الذين يتكهنون له بأن يكون الرئيس المقبل للكاف، آجلا أو عاجلا، بعدما صار رقما مهما في الاتحاد الافريقي وأحد أقرب المقربين من الرئيس الحالي ومن أغلب رؤساء الاتحادات القارية والدولية بفضل جرأته وشجاعته وحنكته في التموقع وسط الكبار بدون مركب نقص.

المعجزة الموريتانية تحققت بفضل اجتماع العديد من العوامل الذاتية والموضوعية، مضافا إليها تراكمات تمتد إلى سنوات بدأت بالتأهل مرتين متتاليتين الى نهائيات بطولة إفريقيا للاعبين المحليين، ثم ظفر رئيس الاتحاد الموريتاني بعضوية المكتب التنفيذي للكاف، وكذا الاستقرار الذي شهدته العارضة الفنية للمنتخب على مدى أكثر من أربع سنوات مع نفس المدرسة الفرنسية بجيل أراد كتابة التاريخ فكان له ذلك مستثمرا في ظروف ومعطيات عرفتها الكرة الافريقية خلال سنوات خلت قد تؤدي الصيف المقبل الى بروز بطل افريقي جديد لم يسبق له أن فاز باللقب القاري، وتؤدي الى نقل تنظيم البطولة من الكاميرون إلى المغرب ليكتمل سيناريو المفاجآت بعد تأهل موريتانيا ومدغشقر لأول مرة وتأكد غياب زيمبابوي والغابون والكونغو وزامبيا رغم ارتفاع عدد المنتخبات المشاركة.
موريتانيا ومدغشقر أسسا بتأهلهما مبدأ أن لا صغير في إفريقيا والتطور لم يعد محصورا عند كبار القارة فقط بل أكدا برسوخ واقعي أن الجزاء من جنس العمل ولا يوجد مستحيل في لعبة كرة القدم.

حفيظ دراجي

القدس العربي 22-11-2018

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل