hafid derradji

سقطاتنا أكبر من أخطاء الحكم!

ثارت الأخطاء التحكيمية في ذهاب نهائي دوري أبطال افريقيا بين الأهلي المصري والترجي التونسي موجة من ردود الفعل المنتقدة لأداء الحكم الجزائري مهدي عبيد الذي احتسب ركلتي جزاء للأهلي مشكوكا فيهما بعد اللجوء لتقنية الفيديو التي يتم استعمالها لأول مرة في المنافسات القارية فكانت النتيجة تذمرا كبيرا على مستوى ادارتي الناديين وفي الأوساط الجماهيرية التونسية التي شعرت بالظلم، ثم تلى ذلك تصعيد ونفخ اعلامي هنا وهناك في مختلف المنابر، ما زاد في وتيرة الشحن عشية مباراة العودة المقررة في تونس يوم الجمعة.

الجماهير التونسية أبدت غضبها على حكم المباراة، وهو أمر عادي وطبيعي يمكن تفهمه وتقبله ما دامت تحركها العواطف والمشاعر، خاصة وأن الحكم أخطأ فعلا وتجاوزته أحداث المباراة، لكن السقطات الاعلامية المتعصبة لم تكن مبررة تماما خاصة تلك التي روجت لنظرية المؤامرة وللرشوة، وراحت تتهكم على حكم المباراة، وتعتبره مجرما وتتهمه بالتحيز للفريق المصري رغم ادراكها بأن الأخطاء التحكيمية جزء من اللعبة وتستفيد وتتضرر منها كل الأندية والمنتخبات في العالم، لكن تعليق بعض ممن يحسبون على الإعلام نفخت في الأمر وغذت مشاعر التذمر في الأوساط الجماهيرية وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل مؤسف.

الكثير من وسائل الإعلام تغاضت عن الحديث عن المستوى الفني المتواضع للمباراة، تغاضت عن إستعمال تقنية الفيديو ومدى نجاعتها في مساعدة الحكام على تصحيح هفواتهم، وراحت تركز على الأخطاء التقديرية التي ارتكبها الحكم الجزائري والتي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في مباريات الكرة وفي المنافسة القارية ذاتها، وحتى في تاريخ المواجهات بين الفريقين ذاتهما والتي كان دائما فيها الضغط كبيرا على الحكام وعلى اللاعبين والمدربين والمسيرين على حد سواء، بسبب شعبية الناديين ورغبتهما الشديدة في السيطرة على المنافسة القارية الأغلى.

صحيح أن ما حدث في لقاء الذهاب لا يليق بنهائي دوري أبطال افريقيا، الحكم كان بعيدا عن مستواه المعهود وبعيدا عن قيمة ومستوى المباراة بإصراره على قراراته المثيرة للجدل حتى بعد مراجعة تقنية الفيديو، لكن ما حدث من أخطاء تحكيمية سابقا أيضا في هذه المنافسة وغيرها لا يليق، وما حدث في نصف نهائي العودة في تونس بين الترجي وبريميرو أغوستو أيضا لا يليق عندما رفض الحكم هدفا شرعيا للفريق الأنغولي حال دون تأهله للمباراة النهائية، وبالتالي فلا يليق بنا كإعلاميين تجريم الحكم والحديث عن تحيزه أو تلقيه رشوة من الجانب المصري مثلما تم تداوله من وثائق مزورة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي!

التصعيد الإعلامي في البلاتوهات والصحف والمواقع الإلكترونية كان أشد وقعا من الأخطاء التقديرية الفادحة للحكم، ما أدى الى مزيد من التصعيد لدى المسيرين والفنيين وفي وسائط التواصل الاجتماعي بين جماهير الفريقين، ما يهدد بتصعيد أكبر في مباراة العودة التي راح الأهلي يطالب فيها بحماية خاصة تحسبا لردود الفعل، في وقت ضغط مسيرو الترجي على الكاف الذي رضخ وعاقب مهاجم الأهلي وليد أزاروا بحرمانه من خوض لقاء العودة بسبب تحايله على الحكم عندما قام بتمزيق قميصه بنفسه لإعطاء الانطباع بأنه تعرض للمسك في لقطة ركلة الجزاء الثانية.

الشحن الإعلامي الحاصل سيزيد من الضغوطات على اللاعبين والمسيرين والجماهير في لقاء العودة، وسيزيد من الضغط على حكم المباراة الذي سيكون محط الأنظار، خاصة إذا اضطر الى الاستعانة بتقنية الفيديو في لقطة مشكوك فيها، لكن هذا لا يمنعنا من التأكيد على أن مصير التتويج باللقب سيتحدد فوق أرضية الميدان لمن يستحق ذلك، وليس في منصات التواصل الاجتماعي أو وسائل الاعلام، ليس من خلال التصريحات والتصريحات المضادة من اعلاميين تحولوا بأقلامهم وألسنتهم الى مناصرين متعصبين لأنديتهم، تخلوا عن التزامهم بأخلاقيات المهنة وروح المسؤولية في أداء مهامهم الأساسية في الاعلام والتوعية والثقيف والترفيه بعيدا عن الذاتية والأنانية والأمانة المهنية.

أكيد أن حكم مباراة الذهاب لم يكن العامل الوحيد المحدد لنتيجة اللقاء رغم إصراره على أخطائه، ولن يكون حكم مباراة العودة بدوره الفاصل الذي يحدد اسم المتوج باللقب، بل كل شيء سيتوقف على مجهود اللاعبين ومستواهم وقدارتهم على التركيز وتحمل الضغوطات والتحكم في التفاصيل والجزئيات، لكن الأمر المؤكد اليوم أن مستوى التحكيم العربي والافريقي المتواضع لا يختلف عن المستوى المتواضع أيضا للاعبين والمدربين والمسيرين وكل الأندية والمنتخبات، ولا يختلف عن مستوى بعض المحسوبين على الإعلام الذين يحتاجون بدورهم الى إعادة تأهيل وركلة، وربما رعاية نفسية تسمح لهم بالتحلي بالمهنية وروح المسؤولية خاصة بعدما صارت سقطاتهم أكبر من أخطاء الحكام!                                                                              حتى في الاعلام نحتاج لاستعمال تقنية مشابهة لتقنية الفيديو لتعرية المخالفين لقواعد المهنة.

حفيظ دراجي

القدس العربي 08-11-2018

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل