حفيظ عليم
“نتمنى فرجة ممتعة لكل متابعينا وخاصة الصامدين والمرابطين في قطاع غزة والأراضي المحتلة الذين نأمل أن يشاهدوا المباراة كاملة دون انقطاع للكهرباء كما تعودوا ومثلما نتمنى لهم كل التوفيق في مسيرة العودة الكبرى إلى الأراضي المحتلة منذ 1948”
“عندما كنت طفلا كانت أمي تفتح الراديو لأكف عن البكاء” حفيظ دراجي.
حفيظ دراجي بالنسبة لي رقم 1 في الوطن العربي، الأقدر على إضفاء المتعة للمباريات منتهجا الأسلوب الأمثل للتعليق والوصف التفصيلي لحدث منتظر يتابعه ملايين وينتظرون ممن يرافقهم صوته أن يكون على قدر الحدث وأن يجعلهم يتذوقوا حلاوة التنافس الذي لابد من معلق عليه حتى تكتمل الفرجة الجميلة.
ما يميز حفيظ هو أنه لم ينخرط في دوامة المعلومات التي بات يعول عليه معظم المعلقين وإن لم يكن جميعهم بسبب ما يوفره الإنترنت الآن من حقائق لا حصر لها لأي مباراة أو بطولة أو لاعب أو أو.
إن كنت متابعا جيدا لدراجي ستجده أقل معلق يعطي معلومات في اللقاء وهو الصحيح لأن كثرة السرد تسبب الملل ليس فقط لكم المعلومات التي يرويها المتكلم وإنما لأن معظمها يعرفها المتابع جيدا من خلال الاطلاع المستمر على كل ما يتعلق بكرة القدم.
ثاقب
أبدى لي ذات مرة الإذاعي الكبير كامل البيطار استيائه من أسلوب كثير من المعلقين الذين باتوا يحولون المباراة إلى “حصة تاريخ” على حد وصفه.
ما يميز حفيظ عن الباقي وما يجعله الأفضل الآن في الوطن العربي بلا منازع، وفقا لرأيي الشخصي، هو أنه يركز بشكل ثاقب على المهمة الأساسية للمعلق. تجميل وتزيين الحدث وليس استعراضه للمعلومات وتحليله لكل لقطة في المباراة، فهذا ليس مطلوبا منه وإنما الوصف والتعليق اللطيف على ما يدور فوق المستطيل الأخضر وخارجه أيضا من انفعالات المدربين ورد فعل الجمهور وما إلى ذلك.
في كثير من الأحيان إن لم يكن حفيظ المعلق استمع إلى المعلق الإنجليزي فبالنسبة لي هو أفضل من الإنصات إلى سرد معلوماتي ممل ليس مطلوبا وغير مرتب أو صراخ مبالغ أو هدوء قاتل أو تمثيل مصطنع.
صادق
قال لي مرة الأستاذ أشرف محمود، أفضل معلق مصري لسنوات، إن جزء من التعليق يرتبط بالتمثيل.
بمعنى تقمص المعلق لشخصية غير شخصيته الحقيقية لأسباب عدة.
أهلاوي يعلق والزمالك فائز أو العكس. مباراة مملة سيئة يتمنى المعلق أن تنتهي فورا لكنها تهم المتابعين لأنها ستحسم لقب بطولة كبيرة. هدف رائع جميل سكن شباك الفريق الذي يشجع… إلخ
مثل الممثل المتمكن، يجب أن يشعر المتلقي بصدق الراوي أو المتحدث، أن يصف ما يحدث دون تردد أو خوف أو خجل.
وهذا يجيده حفيظ، فهو لا يكذب ولا يصطنع ولا يخاف ولا يهرب من حقيقة يراها بأم عينيه وإن كانت الجزائر تلعب.
منذ أيام واللقاء في نهايته والجزائر خاسرة أمام بنين تحدث عن مجاملة الحكم للخضر في تمديد الوقت!
تحبه لشعورك بصدقه، لأنك تدرك فرحته بالهدف الذي انتظرته، تحترمه لأنه لا يخشى قول الحقيقة وفي نفس الوقت يدرك المسؤولية الواقعة على عاتقه.
معلقون آخرون تمثيلهم الفرحة يظهر جليا بقول نفس الكلام بعد كل هدف أو الصراخ المبالغ فيه، والبعض يحرمك متعة الهدف بحتمية التركيز على المعلومة أثناء احتفال اللاعبين! وكأنه لا يجد ما يقول بسبب فقر ثقافته وقلة حماسه وضعف تركيزه على مجريات اللقاء.
مسؤول
في إحدى الاجتماعات التي حضرتها للجنة التعليق والبرامج الرياضية في التلفزيون المصري تحدث الصحفي الأستاذ محمد جاب الله، رحمة الله عليه، عما قام به حفيظ لتهدئة الرأي العام في الجزائر بعد خسارة الفريق أمام مصر برباعية.
لخبرته وعلمه ولخوفه على فريق بلده ذكر الجزائريين بأن هذا الفريق أعاد البلاد إلى المونديال وبلغ نصف نهائي كأس إفريقيا بعد غياب طويل فلا يجب أن نرجمه ونهدمه ونذبح لاعبيه بسبب خسارة أمام منتخب عملاق في ذلك الوقت.
وهذه المسؤولية الاجتماعية الملقاة على حفيظ وعلى أي معلق يجلس أمام الميكروفون في أي مكان.
المعلق الذي لا رسالة له فليجلس في منزله. المعلق الذي لا شخصية له لن يدخل قلوب الناس حتى يلج الجمل في سم الخياط.
لذلك وبعد تذكير حفيظ العرب أجمعين بقضية فلسطين قبل لقاء مانشستر سيتي وليفربول منذ أشهر ظهرت هذه الصورة.
هذا للأسف ما لا يدركه معلقون كثيرون. التعليق ليس مهمة لحظية وإنما عمل في إطار مباراة، بمثابة نافذة يطل منها المعلق ليستمع الملايين إلى ما بقول بإنصات.
موهوب
مهنة التعليق مظلومة في عالمنا العربي منذ سنين، دخلها ولا يزال يدخلها من لا يملك الهبة أو الملكة لكي يتحدث بحماس ولهفة على مدار 90 دقيقة ومن لا يفقه شيئا عن كرة القدم ولا يجيد التحضير للمباريات ولا يتقن قانون اللعبة ولا يعرف الحياد، وفوق كل ذلك لا يحظى بقبول لدى المشاهدين.
التعليق موهبة بالأساس وحفيظ كان يعلق أو “يتقمص دور المعلق” منذ أن كان في المدرسة الابتدائية وكان حلمه منذ صغره أن يعمل معلقا رغم أنه إعلامي وصحفي كبير عمل لسنوات كمقدم لبرامج رياضية في التلفاز.
لا يجيد المهنة إلا من يعشقها ولا يعشقها إلا من تعلق بها منذ الصغر وكان له مثل أعلى من المعلقين أحب دوما تقليده والاستماع إليه.
أحد أسباب فشل كثيرين في مهنة التعليق اتخاذهم لها كعمل ثانوي إضافي كأنه هواية يقوم بها في وقت فراغه ولذلك غاب الاهتمام الكافي وأصبح المتميزون قلة.
متطور
“الشاطر من يسرق الأذن من العين” ميمي الشربيني.
كان مستحيلا لي أن أسمع حفيظا منذ سنوات لأنه كان يعلق ببرود يصيبني بملل شديد لا أقدر معه على مواصلة الإنصات إليه، أتذكر ذلك جيدا على سبيل المثال تعليقه على دوري أبطال العرب في شبكة إيه.أر.تي منذ عقد وأكثر.
لكن ما أسمعه الآن معلقا مختلفا تماما، أشعر معه أن اللقاء ملتهب لأنه ابتعد عن المدرسة الأوروبية للتعليق ومال إلى اللاتينية التي يكون الحماس أكبر ما يمكن فيها وفقا لطبيعة دول وشعوب أمريكا الجنوبية مقارنة بسكان القارة العجوز.
وأنا أرى أن المشاهد العربي يميل أيضا إلى المدرسة اللاتينية ولا يود الإنصات إلى معلق هادىء مثل الإنجليزي أو الفرنسي.
المعلق خادم مؤتمن من قبل الجمهور على مهمة معينة على مدار ساعة ونصف الساعة، مطلوب منه تأدية عمل يرضي المتابعين وليس عملا يعكس قدراته واطلاعه ومعرفته.
وهذا شيء آخر يجعلني أتمنى حفيظا معلقا لأي مباراة أنتظرها.
رغم أنه علق على لعبات أخرى غير كرة القدم وغطى كصحفي 4 دورات أولمبية إلا أنه لا يستعرض معرفته ومعلوماته أمام الميكروفون وإنما يلتزم بالمهمة المنوط بها والتي يجيدها تماما لاطلاعه المستمر وثقافته الواسعة وخبرته العريضة وشخصيته الجذابة.
دراجي متميز لأنه حفيظ عليم بهذه المهنة.