«أفكر جدياً في الانسحاب من الاستثمار في الرياضة في مصر… هجوم غريب من كل جهة وكل يوم حكاية… ليه الصداع».
كل شيء انطلق من هذه التغريدة الأولى للمستشار تركي آل الشيخ رئيس اللجنة الأولمبية ورئيس هيئة الرياضة في المملكة العربية السعودية ورئيس الاتحاد العربي لكرة القدم الذي أعلن بعد ذلك الانسحاب بشكل نهائي من الاستثمار في مصر إثر “الهتافات المسيئة” التي تعرض لها من جمهور الأهلي خلال مباراته في دوري الأبطال الأخيرة في القاهرة، على خلفية رفض ادارة الأهلي لعب مباراة الكأس السوبر السعودي-المصري في الرياض في تاريخ لا يناسب الفريق الذي اعتذر عن عدم المشاركة فتم تعويضه بنادي الزمالك.
تركي آل الشيخ الذي كان رئيسا شرفيا للنادي الأهلي لمدة خمسة أشهر قبل انسحابه تحت ضغوطات خلافاته مع مسؤولي النادي العريق، قرر في نظر المعارضين له “الانتقام” بالاستثمار في الكرة المصرية من خلال شراء نادي الأسيوطي الذي حول اسمه بين عشية وضحاها إلى “بيراميدز″، وتعاقد مع عدد كبير من اللاعبين بأسعار خيالية، ثم أسس قناة تلفزيونية لينافس الأهلي، ما أثار ردود فعل جماهيرية منددة بممارسات الرجل التي اعتبرته “استدمارا” للكرة المصرية وليس استثمارا، وإعتبرها عشاق الأهلي حربا عليهم واستفزازا لناديهم، ليتعرض الرجل بعد ذلك لهجوم شرس عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب بعض منشوراته على “فيسبوك” وتغريداته على “تويتر” وبسبب نواياه التي اعتبرت خطوة استفزازية كاملة الأركان.
صحيح أن استثمار رجال المال العرب في الأندية العالمية أمر طبيعي معمول به منذ سنوات، خاصة في انكلترا واسبانيا وفرنسا، وصحيح أيضا أن لا أحد يقبل بالإساءة لأي مستثمر أو شخصية معنوية سواء كانت محلية أو أجنبية ما دامت القوانين تسمح بذلك، لكننا لم نسمع مستثمرا عربيا في أوروبا تعدى حدوده وأراد أن يتحكم في الاتحادات والاعلام والجماهير، ويتحدى الكيانات القائمة، كما أن السب والشتم في ملاعب الكرة العربية صار عملة متداولة، فحتى رؤساء النادي الأهلي شتموا عبر التاريخ، فما بالكم برئيس ناد منافس للأهلي، سواء كان مصريا أو أجنبيا، لذلك استغرب البعض الأبعاد التي أخذتها قضية رئاسة تركي آل الشيخ الشرفية للنادي الأهلي، ثم انسحابه، ثم استثماره في ناد آخر، وبعدها تعرضه لهتافات مسيئة في ملعب السلام بالقاهرة بمناسبة مباراة الأهلي مع حوريا كوناكري الغيني.
الرد على ما اعتبر “استدمارا” للكرة المصرية، وانتقاما من النادي الأهلي وشراء للذمم كان قاسيا من طرف جماهير الكرة المصرية في المدرجات وفي شبكات التواصل، ولم يصدر من السلطات المصرية التي التزمت الصمت رسميا مثلما التزم بذلك الاتحاد المصري، في حين راح الكثير من وسائل الاعلام المصرية يدافع عن الرجل وعدد أفضاله وكرمه، معتبرا الأمر مسيئا للعلاقات السعودية – المصرية ولا يليق بضيف شقيق “محب للأهلي”، يستثمر طبقا للقانون ويريد الخير للكرة المصرية حسب تعبيرها، ما أثار أيضا موجة من الاستنكار الجماهيري في وسائط التواصل لما اعتبروه تواطئا من بعض الاعلاميين والمنابر الاعلامية المنتفعة من سخاء المستشار تركي آل الشيخ الذي راح يشتري ويبيع في كل شيء في الأوساط الكروية والإعلامية والفنية، ويغري ويتوعد ويهدد ويساوم ويمارس كل أشكال الابتزاز.
بين هؤلاء وأولئك تبقى الأمور تراوح مكانها منذ أعلن الرجل انسحابه من الاستثمار في الكرة المصرية لكنه لم يفعل لحد الآن، ولا يبدو أنه سيفعل لأسباب ذاتية وموضوعية تتعلق بالرجل الذي يسعى لبسط نفوذه على الكرة العربية مهما كلفه ذلك، وأسباب أخرى تتعلق برغبة المملكة في البحث عن عمق سعودي في الأوساط الجماهيرية والإعلامية في مصر، امتدادا لما حققته سياسيا في عهد السيسي، لكن الذي حدث له مع جماهير الأهلي سيدفعه للتريث ومراجعة نواياه في مواصلة الابتزاز والتحكم في مملكة كرة القدم في مصر والتي تعتبر الأهلي هرما رابعا لا يمكن استفزازه والإساءة إليه بأي شكل من الأشكال، مهما كان حجم الإنفاق، وحجم الدعم الذي يلقاه “المستشار” في الأوساط الرسمية والإعلامية في مصر.
الجماهير الأهلاوية تخاف على ناديها العريق، المستشار تركي يخاف على نفسه من تصاعد ردود الفعل، والسلطات المصرية والسعودية لا ترغبان في أن تتورطا سياسيا ولا جماهيريا، أما المنتفعون فلا يهمهم الأهلي ولا مصر ولا حتى تركي آل الشيخ بقدر اهتمامهم بمكاسبهم من وراء التطبيل للرجل الذي لم يحسن التعامل مع جماهير حساسة وناد أثبت عبر الزمن وفي كل محطاته التاريخية بأنه “دولة” قوامها أكثر من أربعين مليون عاشق، تحكمه مؤسسات وتقاليد ولا يتحكم فيه أشخاص مهما كانوا، بما في ذلك رؤساء جمهورية مصر الذين كان الأهلي دوما خارج نطاق سيطرتهم وتحكمهم.
يقال عن نادي القرن الأهلي إنه أشبه بدولة دون حدود لا يحكمه شخص بل الجماهير هي الحاكم الفعلي، اذا جاريتهم تصبح منهم واذا خالفتهم انت أشبه بمنافس وجب الفوز عليه وهز شباكه بجميع المعاني.
حفيظ دراجي
نشر في القدس العربي بتاريخ 4 أكتوبر 2018