نجح المدرب الجديد للمنتخب الجزائري جمال بلماضي إلى حد بعيد في «خرجته» وظهوره الاعلامي الأول أمام الصحافة الجزائرية في المؤتمر الذي عقده قبل أسبوعين عن الخرجة الرسمية أمام غامبيا بتصفيات كأس أمم إفريقيا، مبديا قناعة وثقة كبيرتين في مشروعه الذي يعد بالكثير اذا توفرت الشروط الإدارية والتنظيمية ولقي الانسجام والتفهم الإعلامي والجماهيري، خاصة وأن المهمة صارت صعبة بسبب عملية التهديم التي طالت المنتخب على مدى سنوات، وانعكست سلبا على أداء اللاعبين ومعنويات الجماهير التي فقدت بدورها ثقتها في المنتخب برمته منذ نهائيات كأس أمم افريقيا الأخيرة في الغابون، وبلغت درجة عالية من اليأس والتذمر في عهد المدرب المقال رابح ماجر الذي استكمل عملية التهديم الفني والمعنوي.
بلماضي بدى خلال المؤتمر الصحافي واثقا من نفسه وحازما ومتناغما في طرح أفكاره، وخرج موفقا في أول اختبار أمام صحافة كان لها نصيبها من المسؤولية في تراجع أداء ونتائج المنتخب، وحاول بعضها منذ البداية التشكيك في خيارات الرجل وقدرته في انقاذ السفينة الغارقة من خلال طرح أسئلة استباقية لم يحن وقتها، وأخرى تحمل نوايا سيئة أريد من خلالها إيقاع الرجل في تناقضات تحسب عليه في مهامه لاحقا، لكن الرجل خرج من المؤتمر مثلما بدأه هادئا، وخرج مقتنعا بصعوبة مهمته ومقنعا لعشاق الكرة في الجزائر في انتظار الاقناع الفني الذي سيسهل من مهمته ولو نسبيا.
عندما نقول أنه نجح في اختباره الأول فان هذا لا يعني أنه سينجح لا محالة فنيا في إعادة الروح للخضر، لأن اصلاح أحوال المنتخب الجزائري لم يعد هينا ولا يتوقف فقط على نوعية وطبيعة المدرب، ولا حتى على المستوى الفني للاعبين بقدر ما هو مرتبط بمحيط صار متعفنا ومنتخب تعرض لكل أشكال التهديم ولاعبين فقدوا نكهة اللعب في المنتخب ويصعب إعادة اقناعهم وتجنيدهم مجددا بعدما ضيع المكتب الفدرالي الحالي، الوقت والجهد والمال على مدى سنة ونصف السنة مع طاقمين فنيين تمت اقالتهما بعد فترتين وجيزتين بدون أن يتمكن المكتب من تسوية مستحقاتهما لحد الآن، وبعدما أخفق نفس المكتب في استقطاب لاعبين جزائريين جدد من مزدوجي الجنسية الذين ينشطون في أوروبا لإعطاء نفس جديد لتشكيلة تحتاج الى تدعيم بعدما فقدت الكثير من ثقتها وهيبتها!
من خلال مجريات المؤتمر الصحافي تبين أن موافقة بلماضي على الاشراف على الخضر أنقذت الاتحاد الجزائري من ورطة كبيرة، بعدما فشل في انتداب مدرب عالمي مونديالي «كما وعد»، فوجد نفسه مرغما على التعاقد مع مدرب قبل العمل معه، وهو الذي لم يكن من الأولويات والخيارات الأولى، لكنه أبدى إلماما كبيرا بكل المعطيات المحيطة بالمنتخب الجزائري، مفندا فكرة أن الاتحاد الجزائري هو الذي قدم خدمة لبلماضي الذي أقيل من تدريب الدحيل القطري نهاية الموسم الماضي، ما جعل البعض يعتقد أن الاتحاد الجزائري هو الذي خدم بلماضي ومنحه شرف الاشراف على منتخب من حجم الجزائر، بعدما عمل فقط في قطر في ظروف حسنة وبدون ضغوطات كتلك التي سيجدها في الجزائر.
بين هؤلاء وأولئك يعتقد الكثير أن التخوف من الاختيار ليس مرده كفاءة بلماضي وقدرته من عدمها على قيادة الخضر، بقدر ما هو مرتبط بالظروف التي يمر بها المنتخب منذ نهائيات كأس أمم افريقيا 2017 في الغابون واخفاقه في التأهل الى مونديال روسيا، وما يتطلبه الوضع من جهد كبير لإعادة الثقة بين اللاعبين والاتحاد والجماهير والإعلاميين، الأمر مرتبط أيضا بمتاعب المكتب الفدرالي في التسيير والتنظيم وإقناع كل الفاعلين، بعدما عين ثلاثة مدربين في أقل من سنة ونصف السنة، الأمر مرتبط كذلك بجماهير فقدت ثقتها في منتخبها واعلام رياضي منقسم، يفتقد في غالبيته لأبجديات أخلاقيات المهنة ويتحمل جزءا من مسؤولية ما وصلت اليه الكرة الجزائرية برفقة بعض أشباه المحللين الذين لا يعجبهم العجب وقد يتسببون في رحيل بلماضي عند أول تعثر، أو على الأقل يستعملون منابرهم الإعلامية للضغط عليه وعلى اتحاد هش يفتقد للكثير من الانسجام.
جمال بلماضي لا يملك خاتم سليمان ولن يكون في مقدوره لوحده إعادة الهيبة للمنتخب الجزائري، كما أن الوقت ليس في صالحه كما كان الحال سابقا لكل من ألكاراز وماجر، وبالتالي فمن السابق لأوانه الحديث عن نجاحه أو فشله مع الخضر، لأن الأمر مرتبط بمعطيات موضوعية تتعلق بمدى تجاوب الاتحاد والصحافة واللاعبين معه، ومدى تجاوبه بدوره مع نفس المحيط. شخصية بلماضي العنيدة قد لا تخدمه مع كل الأطراف، لكن الدعم الجماهيري الذي يحظى به قد يساعده في مشواره الذي سيبدأه بمباراة رسمية صعبة أمام غامبيا خارج الديار، الجميع يريد ان يكون لبلماضي القدرة ولو على بساطتها للبرهنة على ما جاء به من فكر وتصور، لكن الأكيد الذي لا يختلف فيه عاقلان أن الزراعة لا تتم في الاسمنت فوجب لنجاح بلماضي أن تتوافر جميع الظروف لخدمة المنتخب ككيان لا كأفراد، مباراة غامبيا قد تكون حقلا ناجحا ومثمرا لكننا نريد ان يستمر الطعم في جميع الأوقات بدون أن يرتبط ذلك بفصل واحد.
حفيظ دراجي
نشر في القدس العربي بتاريخ 23 أغسطس 2018