لما كان في منصبه كانوا يعتبرون الجنرال توفيق بمثابة رب الجزائر، وكانوا يعتبرونه رجلا محترما وملتزما ساهم في الحفاظ على النظام الجمهوري للدولة الجزائرية، ولم يكن أحدا يتجرأ على ذكر اسمه أو ذكره بسوء على مدى أكثر من عقدين من الزمن، بل كانوا كلهم يعتبرونه رمزا للرجولة والبطولة خاصة بعدما منحه الرئيس في آخر أيامه وسام الشجاعة نظير خدماته. لقد كان كثير من المسؤولين يفتخرون بمعرفته ويتباهون بصداقته ورضاه عنهم، وكان كثيرون يحلمون بالتقرب منه والتواصل معه ويرتعدون لمجرد سماع اسمه!
وعندما رحل الرجل إثر حملة تشهير وتشويه بإيعاز من الرئيس وشقيقه وتواطؤ مع أطراف في المؤسسة العسكرية كفر به كثير من العبيد الذين لا يقدرون على العيش من دون سيد يستعبدهم فراحوا يبحثون عن إله جديد يعبدونه، ووجدوا أنفسهم أمام أرباب كثر يتسابقون لعبادتهم وإرضائهم من خلال إظهار كفرهم بالرب الأول والتقليل من شأنه واتهامه بكل التهم لإثبات ولائهم، ومن خلال التسابق نحو إرضاء الرب الجديد للحصول على المناصب والمكاسب!
لقد اتضح بأن من كان يوصف برب الجزائر لم يكن ربا سوى في نظر هؤلاء وأولئك، ولو كان كذلك لما قبل الرحيل والالتزام بقرار الرئيس بإحالته على التقاعد، ولو كان فعلا ربا لما خرج عن طاعته عبد من عباده. هؤلاء وأولئك انقلبوا 180 درجة وراحوا يكفرون بسرعة بمن وصفوه برب الجزائر ويتبرؤون من معرفته، بل يتهمونه بأنه كان وراء كل مصائب الجزائر بإيعاز ممن نصبوا أنفسهم أربابا جدد للجزائر يتصرفون في البلاد والعباد كما يروق لهم!
لقد تبين بأن رب الجزائر الأعلى الذي قاد حملة الإساءة ضد الرجال والمؤسسات هو شقيق الرئيس الذي دفع ببوتفليقة للترشح لعهدة رابعة رغم عجزه، وقام باحتجازه في إقامة جبرية بعيدا عن أعين الشعب، ثم استحوذ على كل صلاحياته بدعم من الخارج ومافيا المال والانتهازيين الذين اخترقوا المؤسسة العسكرية وباقي مؤسسات الجمهورية وانتهجوا سياسة توزيع الريع وشراء ذمم الشعب لتحقيق مأربهم السلطوية!
شقيق الرئيس صار ربا في نظر العبيد الجدد الذين تزايدت أعدادهم خوفا وطمعا، واعتقادا منهم بأن الخضوع له والسعي للحصول على رضاه سيمكنهم من الحصول على مزيد من المناصب والمكاسب، ويمكنهم من الانفلات من المحاسبة والعقاب!
الرب الثاني للجزائر هو أحد أقرب المقربين للرب الأعلى وهو رئيس منتدى رجال الأعمال الذي ارتفعت أسهمه منذ العهدة الثالثة للرئيس وصار يعين ويقيل الوزراء والمديرين والسفراء، ويستقبل ممثلي البعثات الدبلوماسية في مكتبه، وصار يتحدث باسم الدولة ويحدد استراتيجية الحكومة في المجال الاقتصادي والاجتماعي بعدما قام بتشكيل حكومة موازية تتكون من رجال الأعمال، لها امتدادات اقتصادية واجتماعية تشتري ذمم الناس وتقوم بتوزيع الريع عليهم!
الرب الثالث الذي نصب نفسه مؤسسا للدولة المدنية هو زعيم حزب الأغلبية الذي تحالف مع شقيق الرئيس وأصحاب الشكارة وأطراف في قيادة الأركان، وقاد حملة تشويه ضد التوفيق والكثير من الشخصيات الوطنية والأحزاب السياسية، وحاول تشكيل جبهة جديدة للرديئين والانتهازيين ضد كل من يكفر بالأرباب الجدد للجزائر، وكل من يتجرأ على انتقاد منظومة الفساد والنهب والاحتيال التي شيدتها الجماعة!
الشكارة صنعت بدورها ربا آخر تم تنصيبه مؤخرا نائبا لرئيس المجلس الشعبي الوطني، وراح يقود حملة إساءة ضد بعض الشخصيات والأحزاب، ويزداد تغولا ونفوذا لدرجة التدخل في شؤون الكرة من خلال إعادة النظر في قرارات الهيئات الكروية، والتباهي بذلك امام الملأ في سابقة خطيرة، وهو الذي لم نسمع له صوتا في أحداث غرداية التي مات فيها العشرات، ولم نسمع له صوتا في احتجاجات أهلنا في عين صالح ومنطقة القبائل!
العبيد صنعوا أربابا آخرين على مختلف المستويات على غرار عبد السلام بوشوارب الوزير فوق العادة الذي يلازم الوزير الأول في كل خرجاته باعتباره عين وأذن شقيق الرئيس في الحكومة، وباعتباره الأداة التي يستعملها علي حداد لتسهيل استثمارات رجال المال مع مختلف الوزارات والولايات، وقد يكون هو الرب الجديد لحزب التجمع الوطني الديموقراطي عندما يحين موعد التخلص من أحمد أويحيى شهر ماي المقبل، وقد يكون هو الوزير الأول الجديد لاستكمال مشروع اختطاف الدولة.
لقد أثبتت الأيام والأحداث بأن الجنرال التوفيق لم يكن “رب الجزائر” كما تم تسويقه، ولو كان كذلك لما سمح بظهور أرباب جدد ينافسونه في ربوبيته، ولما رحل بهذه السهولة والتزم بيته! ولو كان منهم لما تكالبوا عليه بالشكل الحاصل، ولو كان خائنا وفاسدا فإن المسؤولية يتحملها بوتفليقة الذي عمل معه لمدة 16 عاما ومنحه وسام الشجاعة العام الماضي نظير خدماته!
الأكيد أن الجزائريين يقدرون الرجال الحقيقيين، ويدركون بأن الجماعة تريد تخوين التوفيق وتبرئة شكيب خليل في حملة يقودها الأرباب الجدد الذين سيكفر بهم الشعب الذي لا يؤمن سوى بالله ربا وبالجزائر وطنا لكل أبنائه دون حقد أو اقصاء إدراكا منهم بأن الجزائر ملك للجميع، ويبنيها الجميع دون استثناء ودون تمييز!
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 14 مارس 2016