hafid derradji

لسنا في حاجة إلى تعديل الدستور ولا إلى تعديل حكومي!

لا تزال الجزائر وما أدراك ما الجزائر رهينة بين أيدي جماعة تتخذ من تعديل الدستور مشروعها السياسي الوحيد ووسيلة لإخفاء عجز الرئيس، وتتخذ من المحاكمات الشكلية لقضايا الفساد وسيلة للتغطية على فضائحها وإلهاء الناس، وتجعل من التعديل الحكومي الأخير وسيلة أخرى للتحايل والتغطية على عجز السلطة في الخروج بالدستور “التوافقي” الذي وعد به الرئيس منذ سنوات في سيناريو يهدف إلى إطالة عمر المنظومة الفاشلة التي تحكمنا بالمكر والخداع.

لا معنى لتعديل حكومي عندما يستمر تسيير شؤون الدولة من طرف الرئيس الفعلي “بوتفليقة السعيد وليس بوتفليقة عبد العزيز”؛ بعيدًا عن القوانين والأطر الدستورية وخارج مؤسسات الجمهورية التي تحولت إلى مجرد ديكور، وتحول رجال الدولة إلى دمى يتلاعب بها الرئيس ومحيطه من المنتفعين الذين تتسع رقعتهم وأعدادهم بشكل غير مسبوق ينذر بانهيار وشيك للدولة وسقوطها كلية بين أيدٍ لم تعد تنتج الأفكار والمشاريع بقدر إنتاجها لكل أنواع الفشل والفساد!

جزائر اليوم ليست بحاجة إلى دستور جديد أصلًا؛ بل هي بحاجة إلى تكريس احترام وحماية الدستور من التلاعب والاستهتار به كل مرة، وبحاجة إلى تكريس احترام الرئيس للدستور قبل غيره وإلزامه بعدم المساس به كل مرة فيفتح العهدات الرئاسية ليستمر في منصبه رغم عجزه، ويغلقها كما يشاء في مشروع التعديل الجديد بعدما أدرك بأنه لم يعد قادرًا على الاستمرار في حكم الجزائر لأننا لو احترمنا الدستور السابق لما عدله بوتفليقة مرتين في ظرف وجيز، ولما بقي رئيسًا لعهدتين إضافيتين!

لسنا بحاجة إلى تعديل دستور يخل بالتوازنات ويزيد في تعميق الانسداد السياسي الحاصل، خاصة إذا قرر “صاحب الفخامة” تحديد السن القانوني للترشح عند الـ 70 عامًا، وإذا أقر مادة تسمح له بتعيين نائب له يتولى إتمام العهدة الرئاسية في حال وفاته، ويغلق الباب أمام كل تحول ديموقراطي حر ونزيه سيقود حتمًا إلى انفجار اجتماعي تغذيه أزمات اقتصادية وأخلاقية وفساد متفشي في كثير من القطاعات.

جزائر اليوم ليست بحاجة إلى تعديل الدستور من طرف سلطة غارقة في الفساد والفشل، لا تحترم شعبها والتزاماتها معه، وفقدت مصداقيتها وثقة الشعب فيها، وجزائر اليوم لن يكفيها تعيين وزراء جدد دون صلاحيات، والإبقاء على تلك الوجوه المستفزة من الوزراء الذين تسببوا في قضايا الفساد ويتم تجديد الثقة فيهم أو تحويلهم من قطاع إلى آخر وكأنهم عباقرة لم تنجب الجزائر غيرهم!

جزائر القرن الوحد والعشرين لن تكتفي بتعديل شكلي للدستور وتعديل حكومي بلا معنى، بل صارت بحاجة إلى نفس جديد وفكر جديد ومشروع مجتمع حديث ينخرط فيه كل أبنائه دون إقصاء أو تفريق، وصارت بحاجة إلى دولة المؤسسات وليس إلى سلطة جماعة احتكرت لنفسها الوطنية، واختزلت الوطن كله في شخص رجل واحد صرنا نشفق عليه ونخجل عندما نشاهده يتعذب وهو يستقبل ضيوف الجزائر التي لم تعد تلك الجزائر التي كنا نحلم بها وتراجعت مكانتها بين الأمم.

الجزائر صارت بحاجة إلى تغيير عميق في منظومة الحكم؛ يبدأ بإعلان شغور منصب الرئيس ثم تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة حرة ونزيهة فعلًا، وإعادة صياغة دستور توافقي حقيقي يزكيه الشعب، ويسمح لنا بإعادة بناء دولة المؤسسات التي تكون فيها السيادة للشعب بعيدًا عن الدكتاتورية والجهوية والإقصاء والحقد والكراهية والانتقام.  ودولة يكون فيها الرئيس خادمًا لشعبه وليس سيدًا عليه.

أما إذا استمر الحال على ما هو عليه من هروب إلى الأمام بتغيير الوزراء كل مرة، وتعديل الدستور حسب أهواء الرئيس ومحيطه، وإذا اكتمل اختطاف حزب الأفلان، واستمر التضييق على أحزاب المعارضة وجمعيات المجتمع المدني والرجال الأحرار، فإن الانسداد السياسي سيتعمق، والتذمر سيزداد، وتتراجع القيم والأخلاق وينتشر الفساد والفوضى في كل المجالات، وتنهار الدولة التي ضحى من أجلها الرجال من أجل أن يعبث بها أنصاف الرجال.

حفيظ دراجي

نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 18 مايو 2015

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل