لا تزال تعاليق بعض القراء والمتابعين لما نكتب ونقول في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي تثير فينا الشفقة على أصحابها الذين نتفهّم تخوفهم وحرصهم على مكاسبهم حتى ولو كانت بسيطة، ونتفهم حرص بعضهم الآخر على استقرار وطنهم، اعتقاداً منهم بأن الاختلاف في الرأي وانتقاد الأوضاع ومعارضة بعضنا بعضاً سيؤدي لا محال إلى التذمر، ويهدّد الاستقرار؛ مثلما تسوّق له السلطة والموالون لها من الذين يتهموننا بإثارة الفتنة والفوضى، وبأن أطرافًا خارجية تحركنا، وقد وصل ببعضهم الأمر إلى اتهامنا بالانقلاب على ما يعتبرونه شرعية!
هؤلاء البسطاء الذين يخافون على وطنهم سنظل نشفق عليهم ونتفهم ردود فعلهم ونشدّ على أيديهم ونبعث فيهم الأمل، ولكننا لن نرضخ لتهديدات وإغراءات أولئك الذين اغتصبوا الإرادة الشعبية، وانفردوا لوحدهم بتقرير مصير وطن من حجم الجزائر، بعقلية إقصائية جهوية انتقامية حاقدة، مسيئة للرجال والمؤسسات، وسنستمر في مواجهتهم بقلوبنا وعقولنا، وألسنتنا وأقلامنا، وبكل الوسائل الديموقراطية والفكرية والحضارية التي لا يؤمنون بها!
صحيح أننا نبدو قساة على أنفسنا وعلى بعضنا بعض، وقساة في انتقاداتنا أحياناً، لكن قساوتنا تنبع من حرصنا على أن نكون أفضل، وليس كرهاً في غيرنا أو حقداً عليهم؛ لأن الأب الذي يقسو على أولاده أحيانًا، لا يمكن أن يكرههم أو يحقد عليهم، وقساوتنا نابعة من غيرتنا على وطننا الذي نريده أن يكون في مستوى تضحيات أجدادنا، وفي مستوى قدراتنا وتطلعات أبنائنا الذين بدأوا يشعرون بالملل ويفقدون الثقة والأمل في كل شيء بعدما اكتشفوا الأكاذيب الكثيرة التي أطلقها دعاة الاستمرارية.
قساوتنا فيها كثيرٌ من الحب والأدب والاحترام للوطن وللرجال والمؤسسات، ولكن قساوتهم فيها كثيرٌ من الحقد والكراهية والإقصاء، ونابعة من ضعف أصحابها وإخفاقاتهم في إدارة شؤون دولة بحجم الجزائر، لا يدركون أنها صارت أكبر منهم؛ بعدما بلغ بهم الأمر درجة لا مثيل لها في صنع فشلها وتراجع مكانتها في كل المجالات، حتى صارت صغيرة في نظر أبنائها وفي أعين العالم الذي تحوّلت الجزائر بالنسبة إليه مجرد رقم لا يؤثر في المعادلة السياسية والاقتصادية والرياضية العالمية.
قساوتنا لم تقدنا إلى التهور على الرغم من كل الإساءات، ولكن قساوتهم امتزجت بالتطرف والإصرار على المضي بالوطن نحو الانسداد والتخلف، مما سيقودنا إلى التطرف في انتقادهم ومعارضتكم، ويقودنا إلى السعي بالطرق السلمية لتجنيد أبنائنا وتوعيتهم بمخاطر استمرار المنظومة القائم في مواقعها تمارس التضليل والتحايل وكل أشكال النهب والابتزاز.
قساوتهم فيها تضييق على الحريات وتهديد لاستقرار الوطن، وقد تصل إلى الخيانة العظمى لأرواح الشهداء، وأصوات الناخبين الذين منحوهم ثقتهم، ولكن قساوتنا فيها وفاء للوطن والمبادئ، والتزام بالأخلاق والقيم، وحرص على الحفاظ على معنويات الناس، وأمن وسلامة الشعب والوطن، على الرغم من أنها من مسؤولياتهم السياسية والتاريخية.
وشتان بين قساوتنا وقساوتهم.
مهما فعلوا بنا إلا أننا سنبقى نتحلى بقدر كبير من المسؤولية والالتزام، على الرغم من أن مسؤولية الحفاظ على توازن المجتمع وتنشئة الجيل الصاعد على ثقافة التنوع والاختلاف تقع على عاتق الدولة ومؤسساتها التي يجب أن تقوم على احترام حقوق الناس وحرياتهم مهما كانت انتماءاتهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية، ولا تقوم على الإقصاء والتخوين والإصرار على الخطأ والدفع بالأوضاع إلى الانفجار، ليقولوا لنا بأنه لا مفر منهم، ولا استقرار ولا تنمية من دونهم، وبعدهم سيحل بنا الطوفان!
مختلف تجارب التاريخ علمتنا بأن حبل الكذب قصير، والتاريخ لا يرحم، وسيكتب يوماً بأن قساوة ألسنتنا وأقلامنا كانت أرحم من قساوة طغيانهم وعنادهم وإصرارهم على الإساءة لهذا الوطن!
حفيظ دراجي
نشر في يومية الشروق بتاريخ 17 أفريل 2015