بعض التحاليل السياسية السطحية والساذجة في الجزائر ذهبت إلى الاعتقاد بأن بوتفليقة فتح العهدات الرئاسية سنة 2008 لكي يبقى رئيسا ويصبح صاحب أطول فترة حكم في تاريخ الجزائر، وقام بغلقها في الدستور الجديد بعدما أدرك بأنه لم يعد قادرا على الاستمرار، وأغلقها ليكرس مبدأ التداول على السلطة ويمهد لتأسيس الجمهورية الثانية وتكريس مقومات الدولة المدنية مثلما تروج له الموالاة!
الكل يعرف كيف ولماذا جاء بوتفليقة الى الحكم سنة 1999، والكل يعرف انتقم وثأر لنفسه من كل الذين وقفوا ضده لخلافة هواري بومدين، وكيف انتقم من أولئك الذين كادوا يزجون به في السجن بسبب قضية اختلاس أموال وزارة الخارجية، والكل يعرف حساسيته تجاه العسكرالذين وقفوا ضد توليه الحكم سنة 1979، وأولئك الذين وقفوا ضده أثناء العهدة الثانية، ورفضوا فتح العهدات في دستور 2008 ليترشح للعهدة الثالثة ثم رفضوا ترشحه لعهدة رابعة بسبب ظروفه الصحية.
بوتفليقة بتحايله ودهائه راح يؤسس “للدولة البوتفليقية” العميقة من خلال استغلاله لمشاعر الشعب، وبسط سلطته وسلطة حاشيته على كل مفاصل الدولة مرتكزا على أبناء جهته وعلى الرديئين والانتهازيين الذين طبلوا له من أجل فتح العهدات سنة 2008 ليستمر في الحكم ويتمكن رفقتهم من تكسير مؤسسة الجيش وحل جهاز المخابرات بدعم من قوى خارجية تسعى بدورها لحماية مصالحها من خلال استمرار الدولة البوتفليقية التي سيتولى فيها بوتفليقة لوحده مهمة اختيار وتعيين خليفته!
منذ إصابته بوعكة صحية وإدراكه بأنه صار عاجزا عن ممارسة مهامه راح الرجل يخطط لضمان الحكم البوتفليقي بعد رحيله من خلال تنصيب رجاله المتورطين في فضائح الفساد في كل مؤسسات أجهزة الدولة ليضمن بان يكون الرئيس القادم من جماعته التي ستعمل على حماية المنظومة وتضمن عدم ملاحقة رجال الرئيس وإعادة فتح كل ملفات الفساد، وكشف الإخفاق الكبير في بناء الدولة طيلة فترة حكم بوتفليقة.
بوتفليقة كان مضطرا لإعادة غلق العهدات حتى ولو كان خليفته من رجاله لأنه يدرك بأن السلطة لن تخرج عن أيدي البوتفليقيين لعشرات السنين بعدما قام بحل جهاز المخابرات وقام بتوسيع جبهة الموالين وتقزيم المعارضة. وحتى وإن حدث وتولى الرئاسة شخصية أخرى من خارج محيطه فإنه لن يتمكن من التخلص من تركة بوتفليقة في ظرف عهدتين بعشر سنوات، ولن يتمكن من تنظيف البلد وتنظيف المؤسسات الفاسدة من كل الموالين لبوتفليقة الذين عادوا بنا إلى عصر الرجل المعجزة الذي بفضله تحقق السلم وامتلأت السدود وارتفعت أسعار النفط، وبدونه كانت الجزائر ستنهار!
البوتفليقيون اختزلوا الجزائر في شخص رجل واحد، واختزلوا تاريخها وانجازاتها في فترة واحدة تبدأ من سنة 99، وراحوا يمارسون سياسة التخويف والتخوين، ويزايدون علينا في الوطنية، ويشككون في الرجال ويسيئون للمؤسسات، ويحاربون كل من يختلف معهم ويعتبرونه خطرا عليهم وعلى مخططاتهم ومشاريعهم التي كنا نتمناها فكرية واقتصادية وتنموية عوض أن تكون شيطانية وجهنمية!
الحقيقة أن بوتفليقة كان سببا في أن كثيرين حوله كرسوا مبدأ الغاب، وبسببه تراجعت الجزائر ولم تتحقق التنمية المرجوة، وبسببه تراجعت القيم والأخلاق، وتراجعت مكانة الجزائر بين الأمم، وازدهر الفساد والنهب والتخلف، وبسببه ستنتقل الجزائر من دولة مخابراتية جاءت ببوتفليقة إلى الحكم إلى دولة بوليسية ترتكز على الفاشلين والرديئين ورجال المال والأعمال والأثرياء الجدد الذين يرتكز عليهم بوتفليقة في إدارة شؤون الدولة رفقة أولئك الموالين والمنبطحين المتورطين في قضايا الفساد والنهب.
لقد تمكن بوتفليقة من فرض سياسة الأمر الواقع على الشعب، وإقصاء النخبة وتهجير الكفاءات وزرع رجاله في كل أجهزة الدولة ليتولوا بأنفسهم حماية مواقعهم ومكتسباتهم، وتمكن من تقزيم مؤسسة الجيش وكل مؤسسات الجمهورية لتصبح أداة في أيدي البوتفليقيين، لكنه نسي بأن الجزائر ليست جبهة التحرير والتجمع الوطني الديموقراطي وبضعة أحزاب وجمعيات ومنظمات ليس لها أية مصداقية، ونسي بأن الجزائر ليست عمار سعيداني وأحمد أويحيى وعلي حداد والسعيد بوتفليقة، بل هي أيضا ملايين من أصوات الأغلبية الصامتة التي ستشكل الطريق الثالث لتقرير مصير الجزائر واستعادة الوطن المختطف من طرف البوتفليقيين.
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ في 15 فبراير 2016