hafid derradji

حكم الشعب

لا يختلف اثنان في أن محاكمات قضايا الفساد الجارية حاليًا، والتي سبقتها وتلك التي ستأتي لاحقًا هي محاكمات شكلية لن تمس أحكامها الحوت الكبير، يراد منها التخلص من تبعات فضائح تلازم السلطة الحالية لكي تتفرغ لمشروع مرحلة ما بعد بوتفليقة، ولكن التاريخ سيدونها للأجيال اللاحقة ويسجلها على منظومة تحاكم نفسها بنفسها بعدما أصدر الشعب حكمه في حقها حتى قبل أن تصدر الاحكام في تلك القضايا.

لقد أصدر الشعب حكمه الابتدائي عندما رفض 10 ملايين جزائري الذهاب إلى صناديق الاقتراع بمناسبة رئاسيات 2014، وعندما استقال كلية من المشاركة السياسية ولم يعد يتجاوب أو يتفاعل مع سلطات بلاده، ومع مرور الوقت صدرت تباعًا الأحكام النهائية التي لا تقبل الطعن لأنها جاءت من محكمة عادلة ومنصفة لا يتحكم فيها أحد مادامت  نابعة من ضمائر وقلوب وعقول الجزائريين الأحرار الذين لا يمكن شراء ذممهم!

لقد حكم الشعب على المنظومة الحاكمة بأنها تحايلت عليه ولم تفِ بوعودها التي قطعتها على نفسها بأن تعيد الكرامة للجزائريين، وتنعش الاقتصاد الوطني وتعيد للجزائر مكانتها بين الأمم بعدما بلغ عدد الفقراء ربع السكان أي ما يعادل 10 ملايين جزائري نهاية 2014، وبعدما انهار الاقتصاد الوطني وتحول إلى اقتصاد ريعي يعتمد على توزيع الخيرات لإسكات الناس، وبعدما تراجعت سمعة الجزائر في الخارج ولم تعد قادرة على إقناع مالي وبينين على التصويت للجزائر لكي تحصل على تنظيم كأس أمم أفريقيا!

الشعب الجزائري حكم على المنظومة القائمة بأنها فشلت في تسيير شؤون الوطن بعدما سلمته لجماعة من الرديئين والمنتفعين من المقربين والمطبلين، وأقصت كل من يختلف معها ومن تجرأ ليقول لا للجهوية والدكتاتورية، ولا لدولة الأشخاص التي كسرت المؤسسات وعفست الدستور، وأهانت الأحزاب والجمعيات، وضايقت الصحافة المستقلة، وكل الرجال الذين يختلفون معها.

الشعب الجزائري أصدر حكمه بأن لايثق فيكم وفي وعودكم ونواياكم مستقبلًا بعدما أخلفتم وعودكم، وقرربأن لا ينتظر منكم خيرًا بعدما كسرتم حزب جبهة التحرير، وكسرتم المعارضة، وبذرتم الملايير في مشاريع فارغة لم تنقل الجزائريين إلى عصر الحداثة والعصرنة، ولم تخرجهم من ظلمات الفقر والجهل والتخلف، بل جعلتم منهم شعبًا يلهث وراء المادة ويبحث عن مكاسب ومصالح خاصة.

حكم عليكم الشعب بأنكم أفسدتم البلاد والعباد والقيم والأخلاق ولم تحموا الاقتصاد الوطني وخيرات الجزائريين من النهب والسلب، بل عملتم على حماية المفسدين وتشجيع الرداءة وتشويه صورة الجزائر بين الأمم بعدما صارت قضايا الفساد تتصدر أخبار الجزائر في مختلف وسائل الإعلام العالمية.

لقد فات الأوان وصدر الحكم ولم يبقَ سوى تنفيذه على أرض الواقع، ولم يعد يجدي تعديل الحكومة، ولا تعديل التعديل، ولم تعد تنفع قروض الاستهلاك والزيادة في الأجور وآلاف المساكن التي توزع على المحتاجين وكأنها صدقة ومنة منكم، كما لم تعد تنفع العمليات التجميلية لمنظومة استهلكت حيلها، ولم تعد قادرة على إنتاج الأفكار والمشاريع لحل مشاكل الجزائريين، بل صارت تتفنن في إنتاج الخداع والنفاق والبؤس والحقد والكراهية بين الجزائريين.

كل شيء في الحياة مبني على الحب والاحترام والجهد والوفاء، والشعب لم يعد يحبكم أو يحترمكم، ولم يعد يثق فيكم لأنكم لم تبادلوه المشاعرنفسها، لذلك سيعاقبكم من دون الحاجة إلى الخروج عن طاعتكم، ومن دون أن يحتج أو يثور عليكم؛ إدراكًا منه بأنكم ستستفيدون من غضبه وتحولونه إلى صالحكم، ثم تتحولون إلى أبطال وضحايا لما تسمونه “تخلاط وفتنة”.

حفيظ دراجي

نشر في يومية الشروق بتاريخ 14 جوان 2015

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل