بالريتم المتسارع الذي تسير عليه الأمور هذه الأيام والكيفية التي يقيل ويعين بها الرئيس إطارات الدولة في كل المؤسسات، وكذا الكيفية التي يتحايل بها المحيطون به على الجزائر والجزائريين من أجل البقاء في السلطة؛ من خلال إقالة واعتقال وتهديد كل من يعارضونهم، تتضح معالم المرحلة القادمة التي يراد أن تبقى فيها الجزائر رهينة بين أيادي المغامرين الذين يعتقدون بأنهم قادرين حتى على إقالة كل الشعب لتحقيق مبتغاهم.
منذ عودته من فال دوغراس يعطي بوتفليقة الانطباع بأنه يرأس الجزائر فقط منذ 2013 ويسعى فعلاً إلى تحقيق الدولة المدنية وبناء دولة المؤسسات والقانون والديموقراطية والحرية، لكن بالنظر لكونه لم يفعل ذلك طيلة الـ 15 عاما الماضية، عندما كان في أوج صحته، فإنه بات من المؤكد أن الرئيس ومحيطه يخططون فعلا لسيناريو التوريث الذي يهدد الوحدة الوطنية ومبادئ الجمهورية، وينسف كل تضحيات الرجال في نوفمبر 54 وأفريل 80 وأكتوبر 88، وفي كل محطات الكفاح والنضال الذي خاضه الشعب الجزائري عبر التاريخ!
استكمال تنفيذ السيناريو أخذ منعرجا آخر بسرعة قصوى حركت وزير الصناعة ورئيس منتدى رجال الأعمال ومن ورائِهما جهات تريد مسح كل شيء من طريقها، وتريد تمهيد الطريق لاستكمال الخطة بتعديل الدستور كما يريدونه دون معارضة في نهاية السنة، واستعمال جهاز العدالة لتخويف الناس وتهديدهم من خلال ممارسات مافياوية ضد كل شيء يتحرك، ثم تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة تكون فيها قواعد اللعبة محسومة لصالح “ولي العهد”!
لم يعد هناك أدنى شك بأن الذي يحدث في جزائر اليوم من إقالات واعتقالات وتهديدات، وتقزيم للرجال وتحطيم للمؤسسات لا علاقة له بالدولة المدنية المنشودة لأن لا أحد يصدق بأن الرئيس استفاق بعد 15 عاما وقرر فجأة بناء الدولة وخدمة الأمة، والتخلي عن الفاشلين والفاسدين، ولا أحد صار يصدق بأن السعيد بوتفليقة لا يسعى لخلافة شقيقه بدعم من رجل المال وكل المتورطين في قضايا الفساد الذين لم يعد في إمكانهم معارضة مشروع التوريث لأنهم غرقوا في الفساد وصار مصيرهم مرتبط بالجماعة!
الجماعة تريد أن تضع الطبقة السياسية والشعبية أمام الأمر الواقع، وها هي تهدد باستعمال القضاء ضد الجنرال المتقاعد حسين بن حديد لأنه عبر عن رأيه، وضد رجل الأعمال اسعد ربراب بسبب انتقاده للعراقيل التي يتعرض لها، وربما سيأتي الدور غدا على كل من تسول له نفسه اعتراض طريقها، أو تشم “الجماعة” فيه رائحة غريبة تخالف مشروعها، وكل من يتجرأ على انتقاد المنظومة القائمة التي تريد التحكم في رقاب كل الناس، وتخويف الشعب بتكرار سيناريو التسعينيات إذا لم يستسلم ويسلم أمره للأمر الواقع!
الجماعة لن تتردد في المغامرة باستقرار الوطن من خلال إثارة فتنة جهوية نشم رائحتها ونلمسها هذه الأيام من خلال استفزاز الشاوية تارة ثم القبائل تارة أخرى بإقصائهم من مناصب المسؤولية وملاحقتهم والتضييق عليهم بعد ذلك، مما يهدد استقرار الوطن وتوازنه، ويزيد من مشاعر الحقد والكراهية والانتقام!
الجماعة الحاكمة في الجزائر لا تؤمن بمبادئ الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ومبدأ التداول على السلطة، ولا تؤمن بدولة القانون والمؤسسات، بل تسعى إلى تكريس الأحادية والدكتاتورية ودولة الأشخاص وأصحاب المال الذين تكاثروا وتحالفوا من أجل حماية مصالحهم ومكاسبهم! لذلك راحوا يدعون الى تشكيل جبهة جديدة تتكون من الانتهازيين والمنتفعين للالتفاف حول برنامج الرئيس بعدما قادوا البلد نحو افلاس فكري ومادي، ونحو مزيد من الفساد والظلم!
الجماعة لم تشرح لنا طبيعة البرنامج واكتفت بشعارات جوفاء تدعو الى الدولة المدنية والسلطة المدنية والمؤسسات المدنية التي يتحكم فيها رجل واحد لا يتمتع بالشرعية ولا يملك الكفاءة ويريد أن ينوب عن الشعب والرئيس والجيش والمخابرات في تقرير مصير الأمة
لتحقيق طموحه في خلافة بوتفليقة لن يكتفي شقيق الرئيس بإقالة الجنرالات والوزراء والمديرين والسفراء، ولن يكتفي بإقصاء وملاحقة أبناء الشرق والجنوب ومنطقة القبائل، وكل الذين لا يسيرون في فلكه، بل قد يتعداه إلى إقالة الرئيس في حد ذاته وإقالة نصف الشعب واعتقال وسجن النصف الآخر إذا اقتضت الضرورة. لكن هذا الإصرار يقابله إصرار آخر من الأحرار للاستمرار في تأدية واجب قول الحقيقة لإنقاذ الوطن وتوعية الشعب بضرورة الاختيار بين القوة والمال والمكر من جهة وبين العدل والحرية والديموقراطية في الجهة المقابلة!
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 5 أكتوبر 2015