بكل لغات العالم وفي كل المجتمعات يعتبر القتل والغدر والحرق والتدمير الهمجي إرهابًا وجريمة ضد الإنسانية تعاقب عليها كل الأديان السماوية، وتعاقب عليها كل القوانين الوضعية والأعراف والتقاليد، ولا يختلف اثنان في وصف كل أشكال الممارسات اللاإنسانية بـ”الإرهاب” لأنه يرعب الناس ويتسبب في الألم والخراب، ويزيد من الاحتقان، ولكن هذا الإرهاب لا يختلف كثيرًا عن أشكال أخرى من الإرهاب الذي تعاني منه كثير من المجتمعات.
وعلى الرغم من أن إرهاب اليوم بالمفهوم التقليدي صار يختلف عن إرهاب التسعينيات الذي عانت منه الجزائر لأنه أخذ بعدًا دوليًّا واسعًا، وتنظيمًا مختلفًا، وممارسات متعددة، ووسائل أخطر وأكبر، إلا أنه لا يختلف تمامًا عن ذلك الإرهاب النفسي والفكري والمادي والسياسي والاجتماعي الذي نمارسه فيما بيننا، وضد شعوبنا من خلال ممارساتنا اللاأخلاقية التي تفشت في كثير من الأوساط، ويسكت عنها الساسة والنخبة والشعب على حد سواء!
إرهاب وإجرام الجماعات المسلحة بمختلف تسمياتها وتنظيماتها لا يختلف عن إرهاب بعض الذين يتعاطون السياسة عندنا ممن يخيفون ويرعبون الشعب، ويخونون من يختلف معهم، ولا يختلف عن إرهاب يمارسه من يحتكرون السلطة والوطنية لأنفسهم، ويرفضون التحاور وإشراك غيرهم في التدبير والتسيير، ويمارسون الإقصاء ضد من يعارضهم!
إرهاب المجرمين في الجزائر والعالم سواء كان باسم الدين أو أي فكر سياسي متطرف، أو حجج واهية، لا يختلف أيضًا عن إرهاب رجال المال الفاسد ومن يستغلون نفوذهم لنهب خيرات الوطن وتدمير اقتصاده، والتغطية على المفسدين مقابل التضييق على الكفاءات والشخصيات الوطنية التي تعاني كل أشكال الإقصاء والتهميش.
إرهاب من يريدون السلطة بالعنف والقوة دون العودة إلى سيادة الشعب، هو نفسه إرهاب من يريدون البقاء في السلطة إلى الأبد بالتحايل والكذب على الرغم من الفشل والخيبات المتكررة في تسيير شؤون الوطن ومختلف القطاعات، وهو نفسه الإرهاب الفكري الذي تتعرض له عقول شبابنا من خلال كل المغالطات التي نسمعها ونقرأها هنا وهناك!
إرهاب الطرقات الذي نعيشه يوميا ويقتل الآلاف كل سنة بسبب تهور السائقين، وعدم احترام قوانين المرور، وبسبب اهتراء الطرقات وتدهور حالتها، لا يختلف عن إرهاب من يقتلون الأبرياء ويرعبون النساء والأطفال في المدن والقرى والأرياف بمختلف الأسلحة والوسائل، لأن الضحايا في كلتا الحالتين هم بشر يدفعون ثمن التهور والجهل!
الإرهاب الذي يعانيه المرضى في المستشفيات والمواطنون في مختلف الإدارات والطلبة في الجامعات والعمال في كثير من الشركات، و”الحڤرة” التي يشعر بها كثير من أبنائنا لا تختلف تأثيراتها عن ممارسات الإرهابيين والمتطرفين والمجرمين، ومن يرعاهم ويساندهم ويغطي عليهم لأغراض سياسية أو فكرية أو مادية!
قد يعتقد بعضهم بأنني أبالغ في مقارنة هذا الإرهاب بذاك الذي اكتوينا به ولا نزال ، ولكن هذا وذاك يؤديان إلى قتل النفس البشرية وتحطيم الحضارة الإنسانية، ويؤديان إلى التذمر والاحتقان ومزيد من الحقد والخوف والإجرام في وقت بلغت مجتمعات أخرى درجة كبيرة من التطور الفكري والأخلاقي والحضاري لأنها تعيش الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وتحارب كل أشكال الفساد والنهب والظلم والإقصاء.
حفيظ دراجي
نشر في يومية الشروق بتاريخ 26 جويلية 2015