hafid derradji

استخلصوا الدرس وارحلوا !

كلما تحل علينا ذكرى مجازر الثامن ماي 45 تتكرر أسطوانة مطالبة فرنسا الاستعمارية بالاعتراف بجرائمها وتقديم اعتذارها للجزائر ثم تعويض ضحايا كل الجرائم التي ارتكبتها في حق الشعب! هذه الأسطوانة تذكرنا كل مرة أيضا بمطالبنا تجاه المتسلطين على رقابنا بضرورة اعترافهم بالفشل في تسيير شؤون البلد واعتذارهم عما اقترفوه في حق الشعب ثم الانسحاب وليس التعويض؛ لأن ما تم تحطيمه ونهبه وتبذيره منذ بداية الألفية لا يقدر بثمن ولا يمكن تعويضه، والشعب أظهر تسامحه وجنوحه إلى السلم على الرغم من كل الإساءات، لذلك سيكتفي بانسحابكم لكي ينساكم، ويتفرغ لبناء تلك الدولة التي ضحى من أجلها الرجال.

بعضهم  يعتقد بأن ما اقترفناه في حق الوطن لا يختلف عما فعلته فرنسا، خاصة وأنه صادر عن أبناء جلدتنا الذين لا يختلف رفضهم الاعتراف والاعتذار والانسحاب عن رفض فرنسا الاعتراف بجرائم الثامن ماي 45 التي ارتكبت في حق الشعب الجزائري!

قد تبدو المقاربة مبالغ فيها؛ لكن نهب خيرات الوطن وتبذير أكثر من ألف مليار دولار في ظرف خمسة عشر عاما، وتفقير الشعب وتهجير أبنائه والتضييق على الحريات، واختطاف مؤسسات الدولة من طرف جماعة المصالح وأصحاب المال الفاسد كلها ممارسات لا تختلف كثيرا عن ممارسات فرنسا الاستعمارية التي قتلت وشردت ونهبت وفرقت بين أبناء البلد الواحد مثلما فعلتم من خلال الجهوية التي مارستموها، والإقصاء الذي دفع ثمنه كثيرون من أبناء الشعب.

عنادكم وإصراركم على ترشيح رجل عاجز لكي تحكموا محله وتتحكموا في رقاب الناس بعيدا عن مؤسسات الجمهورية وقوانينها هو أكبر الجرائم المرتكبة في حق الرئيس والوطن والشعب لأنكم تريدون البقاء مثلما أرادت فرنسا، ولا تتصورون الجزائر من دونكم مثلما فعلت فرنسا، اعتقادا منكم بأنكم منزلين من السماء، وبأننا شعب متخلف بحاجة إلى وصاية.

محاولاتكم استدراك الفشل بشراء ذمم الناس وإلهائهم عن قضاياهم المصيرية وتخوين من يختلف معكم باءت بالفشل لأن دائرة الوعي الشعبي توسعت، والمعارضة تزايدت وتوحدت ضدكم ولم تنسق وراء محاولاتكم جرها إلى التطرف والفوضى. الصحوة السياسية والاجتماعية للأحزاب والجمعيات وحكمة بعض الشخصيات الوطنية، ومهنية بعض وسائل الإعلام على الرغم من التضييق الممارس عليها كلها عوامل ساهمت في زيادة الوعي بضرورة رحيلكم لأنكم وصلتم إلى درجة عرض الجزائر وبناتها للبيع بعدما بعتم ثرواتنا بأبخص الأثمان!

أدرك مثل غيري بأن فرنسا لن تعترف بجرائمها ولن تعتذر ما دمتم في السلطة، وأدرك أيضا بأنكم لن تعترفوا بفشلكم في تسيير أمور الدولة، ولن تعتذروا عما اقترفتموه من إساءة في حق الوطن، لكن استمراركم وبقاؤكم صار مثيرا للاستفزاز، ورحيلكم بات أكثر من ضروري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعدما عم الفساد وساءت الأخلاق وانهارت أسعار النفط وتراجعت المداخيل، وبعدما تراجعت مكانة الجزائر بين الأمم، واهتزت ثقة الشعب فيكم من كثرة الكذب والافتراء والتحايل الذي تمارسونه عليه.

صحيح أن هناك بوادر لتغيير “قاهر” قادم نهاية السنة أو بداية السنة المقبلة تحت ضغط داخلي وخارجي تظهر معالمه في إسراع السلطة في التخلص من قضايا الفساد من خلال تسريع المحاكمات الشكلية في قضايا الطريق السيار وسوناطراك والخليفة، وصحيح أن هناك بوادر تغيير تظهر معالمه من خلال التغييرات المرتقبة على تركيبة الحكومة وعلى حزبي الأفلان والأرندي، لكن الشك لا يزال يراودنا في نوايا “المتسلطين على رقابنا” الذين يواصلون تحايلهم وسعيهم للبقاء في السلطة من خلال المتواطئين معهم من المنتفعين وأصحاب المال الفاسد الذين توسعت رقعتهم وساهموا في إطالة عمر هذه السلطة التي صار ينتابنا الشك في وطنيتها، بل صرنا نتأكد كل يوم بأنها هي التي تخدم المصالح الأجنبية.

لذلك نريد اعترافكم بالفشل، ولن نرضى عن رحيلكم بديلا لأنكم أصبحتم خطرا على الأمة تتصرفون في شؤون الدولة وكأنها ملكية خاصة ورثتموها عن آبائكم، وتتصرفون في شعبنا وكأنه قطيع يبحث عن ماوى ولقمة عيش!

حفيظ دراجي

نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 11 مايو 2015

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل