غير ممكن وغير معقول وغير مقبول هذا الذي نقرؤه ونسمعه ونشاهده في جزائر اليوم التي تسير بسرعة نحو الهاوية أخلاقيًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا أمام أنظار وأسماع السلطة والمعارضة ووسائل الإعلام، وكل أطياف المجتمع الجزائري الذي صار يتعايش مع الفشل والكوارث وكأنها قدر محتوم، وصار لا يقدر ولا يتجرأ على مجرد التنديد والاحتجاج، حتى بلغ الأمر بكل الأطراف إلى تقديم استقالة من الاهتمام بشؤون الوطن وكأنه ليس وطننا ولا يعنينا ما يحدث له!
لم يعد ممكنًا استمرار الفراغ السياسي وغياب الرئيس عن مسرح الأحداث ومخاطبته لشعبه برسائل لا يطلع على مضمونها، ولم يعد مقبولًا استمرار حكم الجزائر بالوكالة من طرف شقيق الرئيس وبضعة مقربين يتسترون على الفساد والمفسدين، ومن طرف محيط لا يهمه سوى البقاء في السلطة من خلال التحايل على الشعب وإضعاف المؤسسات وتقزيم الأحزاب والتضييق عليها وعلى الصحافة، وكل من يتجرأ على الانتقاد والتنديد.
إذا استمر الحال على ما هو عليه لفترة أخرى ستفقد الدولة مقوماتها، ويفقد الشعب ثقته فيها، وتصبح الجزائر جمهورية “موز” مختطفة من طرف عصابة أشرار!
لم يعد ممكنًا تحمل الانسداد السياسي الداخلي وتراجع الدبلوماسية الجزائرية قاريًا ودوليًا، ليس بسبب عدم قدرتنا على فرض وجودنا وليس بسبب ضعف ونقص الكفاءات، ولكن بسبب عدم قدرة الرئيس على القيام بواجباته، واختزال الجزائر في شخصه، وعدم سماحه لغيره من الساسة بالقيام بالمهمة الدبلوماسية، حتى إننا لم نعد نسمع صوت الجزائر في المحافل الدولية، ولم يعد يزور الجزائر سوى بعض وزراء الأفارقة ومبعوثي الرؤساء من الدرجة الثانية لكي يتم إظهار الرئيس على شاشة التلفزيون!
لم يعد ممكنًا السكوت عن التضييق على الأحزاب والإعلام، والسكوت عن تحطيم المؤسسات وإخضاعها لنزوات الجماعة التي تغولت وازدادت قوة بسبب ضعفنا وخوفنا، وبسبب اتساع دائرة المنتفعين من الريع. ما يحدث لحزب جبهة التحرير الوطني من اختطاف من طرف الجماعة تجاوز كل الحدود؛ على الرغم من كل التجاوزات القانونية والسياسية المسيئة لرصيد تاريخي وثوري هو ملك لكل الجزائريين.
لم يعد ممكنًا أيضًا تحمل تغوّل أصحاب المال وتزايد نفوذهم وتحكمهم في الاقتصاد الوطني الذي يتراجع كل يوم في شقه العمومي، في وقت تزدهر المؤسسات الخاصة وتزداد أرباحها بعدما صار أصحابها يرسمون السياسة الاقتصادية للبلاد ويتحدثون باسم الدولة عندما يستقبلون الوزراء والسفراء في سابقة لا تحدث سوى في جمهورية “الموز” أيضًا!
لم يعد من الممكن السكوت عن فضائح الرشوة والنهب والفساد التي تملأ صفحات الجرائد المحلية والعالمية، وتسيئ لسمعة الجزائر خاصة عندما تذكر فيها أسماء شخصيات سياسية لا تزال في مواقعها تحظى بالحماية والثقة من طرف الرئيس ومحيطه؛ في وقت يدفع الحوت الصغير ثمن إرادة السلطة في التخلص من كل المحاكمات في القضايا المتورطة فيها خلال هذه السنة، ثم التفرغ بعدها لمرحلة أخرى تضمن الاختطاف التام للدولة من طرف الجماعة!
لم يعد ممكنًا تقبل انهيار القيم في المجتمع وارتفاع نسبة الجريمة والعنف الممارس ضد الأطفال والنساء، ولم يعد ممكنًا تقبل التفسخ الأخلاقي على كل المستويات، وتقبل فشل السلطة في إدارة شؤون البلد، وحماية ثروات ومكتسبات الوطن إلى درجة أصبحنا نشكك في “جزائرية” السلطة وممارساتها التي تصب ضد مصلحة الوطن!
أما أكبر شيء لم يعد ممكنًا تفسيره وتفهمه وتحمله هو هذا الصمت والخوف الذي يخيم على كثيرٍ من النفوس والعقول في السلطة والمعارضة والأوساط الشعبية على حد سواء؛ رغم إدراكها بأن الجزائر تتراجع، والتحايل يتواصل، والتذمر بلغ ذروته؛ على الرغم من محاولات شراء الذمم والسلم الاجتماعي من طرف السلطة للاستمرار في اختطاف الدولة وتكسير مؤسساتها ورجالها لصالح مجموعة مصالح وأطراف خارجية في سيناريو يبدو وكأنه مقصود يراد به الانتقام من الجزائر وشعبها!
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 4 مايو 2015