طبقًا لأحكام الدستور يمكن لرئيس الجمهورية إقالة الجنرال التوفيق من منصبه كمدير للاستعلامات، ويمكنه إقالة أي جنرال أو وزير أو مدير مهما كان، لكن لا يعقل ولا يمكن تحطيم جهاز الاستعلامات والمخابرات أو أي جهاز أمني أو مؤسساتي آخر مهما كانت الأعذار؛ لأن البلد الذي لا يقوم على مؤسسات دستورية قوية ورجال أكفاء ونزهاء، والبلد الذي لا يقوم على احترام الدستور والقانون، ولا يستند إلى مؤسسة عسكرية منسجمة وجهاز مخابرات فعال ومنسجم، هو بلد لا يمكن ضمان أمنه واستقراره وحماية شعبه، وبناء دولته القوية.
ما يتم تسريبه للصحافة هذه الأيام من تغييرات في جهاز المخابرات، وتفكيك بعض مصالحه، وإمكانية إقالة مدير الجهاز الجنرال التوفيق، أو دفعه إلى الاستقالة لتنفيذ أجندة التوريث، يحمل الكثير من الخبث والمكر، ويجعلنا نشك في مصدر هذه التسريبات والقرارات، والغاية منها في هذا الظرف بالذات، ويثير في الأوساط السياسية والعسكرية والشعبية الكثير من الارتباك والقلق على مستقبل الجزائر، وكيف سيكون حالنا من دون جهاز مخابرات قوي، ومن دون مؤسسات عسكرية قوية ومنسجمة كان لها الفضل عبر التاريخ في استقرار الوطن والحفاظ على الجمهورية، ومحاربة الإرهاب والجريمة ونهب المال العام.
أتحدث هنا عن الجهاز كجزء من المؤسسة العسكرية، وليس عن الأشخاص الذين يحق لكل واحد منا انتقادهم وتقييم أدائهم، وأتحدث عن الجهاز الذي لا يختلف عن أجهزة الـ “س أي أي”، و”د س ت” و”أف آس بي” الموجودة في أمريكا وفرنسا وروسيا، والتي تعتبر من ركائز هذه الدول ودعائمها التي تفتخر بها أنظمتها وشعوبها ويحافظ عليها قادتها، لكن عندنا تحولت كل المؤسسات المدنية والعسكرية ورجالها إلى هياكل من دون روح ومن دون صلاحيات، وتعرضت سمعة رجالها وكرامتهم للإهانة والتجريح والتشكيك.
الكل يدرك بأن الرئيس جاء إلى الحكم بفضل جهاز المخابرات، وبقي في الحكم بدعم من جهاز المخابرات الذي كان وفيا للرئيس، وملتزما بكل القرارات التي اتخذها حتى تلك التي أقال إثرها رجال مختلف مؤسسات الجيش، وكذا تلك التي كانت تهدف إلى حماية رجال الرئيس من فضائح سوء التسيير والنهب والسلب التي كشفها جهاز المخابرات ووضعها كل مرة على مكتب الرئيس وتحت تصرف جهاز القضاء.
الكل يعلم أيضا بأن عقدة الرئيس كانت دائما جهاز المخابرات ومؤسسة الجيش، وكان دائما يقول إنه لا يريد أن يكون ثلاثة أرباع الرئيس في إشارة إلى رغبته بأن يكون رئيسا بصلاحيات غير منقوصة، وكان يقول إنه هو الرئيس وقائد الأركان والوزير والمدير والسفير، وهو الذي أعاد السلم والأمن، وببركته سقطت الأمطار وارتفعت أسعار النفط، وبفضله نتنفس ونلبس ونسكن، لذلك يريد أن يثبت للداخل والخارج بأنه رئيس فعلي بكامل الصلاحيات، وكان على الشعب أن ينصبه ملكا لا يحتاج إلى انتخابات رئاسية لكي يقود الجزائر.
الكل يدرك أيضا بأن الرئيس لن يرحل قبل الانتقام ممن منعوه من خلافة بومدين سنة 79، وكل من رفضوا مجيئه أول مرة سنة 1994، والانتقام ممن عارظوه في العهدة الثانية سنة 2004، ولن يرحل قبل أن ينتهي من تطبيق سياسة الأرض المحروقة و ينتقم من مؤسسات الجمهورية التي عين على رأس الكثير منها رجالا فاشلين وفاسدين وجبناء يأتمرون بأوامر شقيقه.
الكل يدرك أيضا بأن الرئيس ومحيطه الضيق يريد ضمان البقاء في الحكم، ثم ضمان اختيار من يخلفه، وبالتالي إزالة كل الحواجز التي قد تمنعه من ضمان الحماية لشقيقه بعد رحيله، وهو الأمر الذي يمر عبر إضعاف المؤسسة العسكرية وتقسيمها، وإضعاف باقي مؤسسات الجمهورية، وشراء ذمم الرجال، وإزاحة كل من يشم فيه رائحة الاعتراض على مشروعه حتى ولو كانوا من أوفيائه الملتزمين والمنظبطين.
الأوساط السياسية والعسكرية وحتى الشعبية مرتبكة وغير مطمئنة منذ فترة بسبب وعيها بخطورة هذا الغموض الذي يخيم على الوضع في الجزائر، وخطورة المغامرة التي يقودها الرئيس في الظروف الصحية التي يمر بها! والكل يتساءل هل فعلا الرئيس بوتفليقة هو الذي يقرر ويعين ويقيل اليوم؟ وهل كان الجنرال توفيق هو المتسبب في افلاس الجزائر؟ وهل مشاكل الجزائر ستحل برحيل الجنرال التوفيق، أم أننا سندخل في دوامة أخرى؟ وهل اكتشف الرئيس بعد 15 عاما بان المشكل في الجنرال التوفيق، وقد كان فعلا “رب الدزاير” ويجب تعويضه بشقيقه كـ”رب جديد للجزائر” رفقة بارونات المال وكل الرديئين الذين يحيطون به ؟
بقدر ما نقر بحق الرئيس في تعيين وإقالة كل المسؤولين، إلا أننا صرنا نشك في مصدر القرارات التي جاءت تباعا في هذا الوقت بالذات، ونشك بانها املاءات فرنسية تضاف إلى المزايا الاقتصادية التي تحصلت عليها مقابل سكوتها عن السيناريو الذي يتم تحضيره لخلافة بوتفليقة، لكن يجب أن يعلم الرئيس وشقيقه السعيد ومن معهما من المنتفعين بأن كل أبناء الجزائر يشعرون بالانتماء والولاء للجيش الوطني الشعبي ولجهاز المخابرات، ويجب أن يعلموا بأن الشعب الجزائري كله جيش في سبيل وطنه، وبأن الجزائر فيها ملايين من الرجال الذين لن يترددوا في الدفاع عن الجزائر والمحافظة عليها، والذين لن يقبلوا بتفكيك أجهزة الدولة وإهانة الرجال، ولن يقبلوا بان يتجرأ أي طرف في المغامرة بالوطن.
ان ما يحدث هذه الأيام من أجل مجرد بقاء لن يدوم، لهو أمر مخيف ومقلق ينذر بعواقب وخيمة ولا يليق بسمعة الجزائر وسمعة الرئيس ومؤسسة الرئاسة، ولا بسمعة مؤسسة الجيش ومختلف أجهزة الدولة ورجالها الذين أهينوا بما فيه الكفاية بعدما ضحوا من أجل الجزائر عندما كان غيرهم يتهربون من تحمل مسؤولياتهم، وعندما كانت الجمهورية مهددة بالانهيار.
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 7 سبتمبر 2015