لن أتحدث اليوم عن تسريبات مشروع تعديل الدستور التي نقلتها بعض المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي لأنها مجرد كذبة أخرى أطلقها محيط الرئيس لربح الوقت وإلهاء الناس وتحويل أنظارهم عن التحايل الحاصل ضد الشعب، ومحاولة التغطية على التدمير الذي تتعرض له مؤسسات الدولة، ولن أتحدث عن تفاصيل التعديل لأن الجزائريين لا ينتظرون خيرًا من الدستور الجديد ما دامت مشكلة الجزائر في عدم احترام الرئيس للدستور، وفي الانقلاب الحاصل على الشعب والمؤسسات، والتدمير المتواصل للقيم والأخلاق والاقتصاد الوطني، وما دامت المشكلة في المستقبل الغامض نتيجة تراجع الجزائر في كل المجالات وفشل الرئيس ومحيطه في بناء الدولة وتحقيق التنمية والرفاهية لأبناء الشعب الذي بات مجهولا مستقبله!
المشكلة في الجزائر صارت أكبر من مشروع تعديل الدستور الذي لم يرَ النور لأنه لا يلقى الاجماع في أعلى هرم السلطة، ولا يحظى بالأهمية في أجندة الرئيس ومحيطه، والمشكلة أكبر من التغييرات الاستعراضية والفلكلورية الحاصلة هنا وهناك، ومن الأكاذيب التي يطلقها محيط الرئيس؛ والتي مفادها أن بوتفليقة يتحكم في كل شيء، ويفكر ويخطط لتغييرات عميقة لحل مشاكل الجزائر والجزائريين، وتجاوز كل الصعاب التي يمر بها الاقتصاد الوطني، وهو الذي لم يتمكن من فعل ذلك على مدى 15 عامًا عندما كان سعر برميل النفط يفوق الـ 100 دولار!
شقيق الرئيس ومستشاره الخاص جدًا الذي يريد أن يصبح “رب الدزاير”، كان وراء تسريب القرارات الأخيرة التي نسبت للرئيس من دون أن تصدر مصالح الرئاسة أي بيان رسمي يشير إلى سلسلة التعيينات والإقالات كما هو معمول به في الدول التي تحترم فيها الأنظمة نفسها، ومن دون أدنى احترام واعتبار لهؤلاء وأولئك الرجال ولمؤسسات الدولة التي مسها التغيير، وكأنها قرارات ارتجالية تتم خلسة في الظلام، ولا تهم الجمهورية ومؤسساتها!
شقيق الرئيس راح أيضًا يسوق ويسرب عن طريق محيطه بأن التغييرات التي أحدثها الرئيس مؤخرًا على مختلف أجهزة الأمن والجيش تعود إلى تقصير مسؤوليها في أداء مهامهم! ولكن كنا نتمنى الإجراءات نفسها، والصرامة نفسها في التعامل مع مسؤولين آخرين على قطاعات أمنية أخرى مسها التقصير والإهمال، خاصة عندما تعرض جنودنا مؤخرًا إلى كمين إرهابي في عين الدفلى ذهب ضحيته العشرات، وكنا نتمنى نفس الصرامة في التعامل مع المسؤولين بعد المسيرة الاحتجاجية التي نظمها رجال الشرطة باتجاه الرئاسة في سابقة فريدة من نوعها، وكنا نتمنى أيضا أن يتحلى الرئيس ومحيطه بالصرامة نفسها في اتخاذ الإجراءات في حق كل المسؤولين بعد أحداث غرداية التي أودت بحياة العشرات من المواطنين الأبرياء!
كنا نتمنى أن يقدم بوتفليقة على إقالة كل المقصرين الفعليين، وإقالة شقيقه المستشار الذي تثار حوله كثير من الشبهات، و هو الذي كان سبب الوعكة الصحية التي أصابت الرئيس منذ سنوات، وكان السبب المباشر في زعزعة مؤسسة الجيش وتعطيل مؤسسات الجمهورية وتحطيم الرجال وإهانتهم، والمتسبب في كل الاحتقان الحاصل اليوم على كل المستويات، وفي كل التخوين والتخويف والتهديد الذي يتعرض له الرجال، والتدمير الذي يتعرض له الاقتصاد الوطني!
ما يحدث هذا الأيام من تحايل ومكر هو من صنع شقيق الرئيس ومحيطه الذي انتهى من إغلاق ملفات الفساد التي تورط في فضائحها مع سوناطراك والخليفة والطريق السيار، وانتهى من الاستحواذ على آلة حزب جبهة التحرير، و خلق البلبلة في أوساط المؤسسة العسكرية، وبعد ذلك راح يتفرغ لاستكمال ورقة الطريق التي رسمتها فرنسا عندما كان الرئيس يتدواى من وعكته الصحية في باريس، وزاد من رتمها بعد قرار هولاند الأخير بضرورة استمرار بوتفليقة وجماعته في الحكم لإتمام العهدة الرابعة، والانتهاء من المهمة القذرة المتمثلة في تفكيك جهاز المخابرات وتكسيره انتقامًا منه، وتعويضه بجيش من المخبرين والانتهازيين والرديئين وأصحاب المال الفاسد، في انتظار استكمال سيناريو خلافة بوتفليقة الذي لن يخرج عن إطار الجماعة التي اختطفت الجزائر!
المشهد زاد من قلق الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية التي راحت تتساءل وتغرق في بحر من الإشاعات والتوقعات التي تتحدث عن تجريد الجنرال التوفيق من صلاحياته والدفع به إلى الاستقالة للتخلص منه، وتعيين القايد صالح وزيرًا للدفاع قبل إحالته على التقاعد، وتعيين قائد الدرك الوطني أحمد بوسطيلة قائدًا لأركان الجيش الوطني الشعبي، واستخلافه في قيادة الدرك بقائد الناحية العسكرية الثانية سعيد باي، وهي كلها بالونات اختبار تم تسريبها لمعرفة ردود الفعل، وكلها محاولات أخرى لخلط الأوراق وإدخال الشك في نفوس الشعب ورجال المؤسسة العسكرية وإحداث الارتباك في الأوساط السياسية والإعلامية في سيناريو مقصود للانتقام من الجميع وتحطيم ما تبقى من الجزائر.
شقيق الرئيس الذي يدير خيوط اللعبة من دون وعي ومن دون أدنى اعتبار لمخاطر اللعب بمصير الأمة، راح عن طريق محيطه الضيق يسوق لنفسه بأنه “رب الدزاير الجديد”، وبأنه سيعين عمار سعيداني رئيسًا لمجلس الأمة خلفا لـ بن صالح، ويعين عبد السلام بوشوراب وزيرًا أول خلفًا لعبد المالك سلال، وبأنه سيقيل أحمد أويحيى من منصب مدير ديوان الرئيس للتخلص منه وإزاحته من التنافس على خلافة بوتفليقة، وراح في نفس الوقت يطمئن بعض الجهات بأن أيام الوزيرة نورية بن غبريط صارت معدودة على رأس وزارة التربية ليتم التضحية بها وإظهار الرئيس بأنه حريص على عدم المساس باللغة العربية والمدرسة الجزائرية!
من يدعي بأنه “رب الدزاير” يخطط مع محيطه الضيق لسيناريوهات أخرى مجنونة للانفراد بالسلطة وضمان مصالح فرنسا في وقت يتخبط المجتمع في أزمة أخلاقية عميقة، وأزمة اقتصادية كبيرة بسبب ارتفاع نسبة التضخم وانهيار أسعار النفط وتراجع قيمة الدينار، وفي وقت استقال فيه الشعب خوفًا وطمعًا، واستقالت الأحزاب والجمعيات والشخصيات الوطنية من المشهد السياسي والاجتماعي والإعلامي لصالح مجموعة من المنتقمين من الشعب والدولة، ومن معهم ممن لا يقدرون العيش خارج السلطة، و من لا يهمهم مصير الأمة ومستقبل الأجيال الصاعدة التي تم إغراقها في مستنقع الفساد والكسب السهل والحقد والضغينة والجهل والتخلف.
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 17 أغسطس 2015