عندما يعلن وزير في الحكومة ورئيس حزب بأن السعيد بوتفليقة لم يخبره بأنه ينوي خلافة شقيقه في رئاسة الجمهورية، ويصرح للإعلاميين بأن “عمه” صالح في إشارة إلى قائد الأركان؛ ملتزم بمهامه الدستورية ولم ينحز إلى الأفلان، ويتجرأ ليعلن بأنه لاعب كرة قدم أساسي في فريق مدير المخابرات الذي يلعب معه ثلاث مباريات في الأسبوع، فإنه يتجاوز كل الخطوط الحمراء، ويريد تنصيب نفسه ناطقًا رسميًا باسم الرجال والمؤسسات، ويريد إرضاء الملائكة والشياطين، والجن والإنس، ويريد أن يربح الرئاسة والجيش والأفلان والإسلاميين واليساريين على حد سواء.
الوزير الذي عمر 16 عامًا كوزير وفشل في كل القطاعات التي أشرف عليها، ويترأس حزبًا عمره بضعة أشهر، غادره كثير من الرجال والنساء بسبب فشله في تسيير الحزب، هو عينة من كثير من أمثاله في الحكومة والأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني الذين يزايدون على الرجال في محاولة للاستمرار في الحكم باسمهم، ويساهمون في تردي الممارسة السياسية في الجزائر التي صارت حكرًا على الهواة الذين يتسابقون لإرضاء أولياء نعمتهم، ويتفنون في ممارسة كل أنواع “الشيتة”، ولا يترددون في إطلاق الأكاذيب وتصديقها، ولا حتى في مساندة وتأييد كل قوي سواء كان ملاك أو شيطان.
الوزير الذي اشتهرت القطاعات التي أشرف عليها بفضائح الرشوة والنهب، وسلموه وزارة السياحة ليسهل على الجماعة عمليات نهب أخرى من خلال الاستثمارات الكبرى المقررة لاحقًا في القطاع، راح من موقعه كرئيس حزب يسعى إلى التموقع بعد الخرجتين الإعلاميتين لسعيداني وأويحيى، ولكنه أخطأ التقدير، وأخطأ التوقيت والمضمون؛ لأن حزبه لا يضاهي الأفلان والأرندي، وأداؤه السياسي لا يساوي أداء نظرائه، فسجل أهدافًا ضد مرماه، أكد من خلالها بأنه لاعب هاوي لا يمكنه اللعب في دوري المحترفين!
الأكثر من ذلك أن وزيرًا فوق العادة أشرف على قطاعات وزارية هامة ولديه الوقت لكي يلعب الكرة ثلاث مرات في الأسبوع، لا يستحق أن يكون وزيرًا في الجمهورية، ومن الأفضل أن يتفرغ لممارسة هوايته الكروية بعيدًا عن الدعاية والإشهار لأنه لاعب سيئ لا يستحق أن يكون في التشكيلة الأساسية لأي فريق ما دام يسجل أهدافًا ضد مرماه، ويكشف للمنافسين أسماء التشكيلة الأساسية لفريقه والخطة التكتيكية التي ينتهجها!
لقد منح الرجل لنفسه حقًا لا يستحقه عندما قال إن السعيد بوتفليقة لم يعلمه برغبته في الترشح للرئاسة، ومنح لنفسه شرفا لن يناله لأنه سيكون أخر من يعلم بمثل هذه الأمور، كما أن السؤال في حد ذاته لم يطرحه أحد من المتتبعين للشأن السياسي في الجزائر، لأن التوريث المقصود في الجزائر هو من نوع خاص لا يعني بالضرورة أن السعيد سيخلف عبد العزيز بقدر ما يعني أن الجماعة التي استحوذت على كل السلطات تريد البقاء في السلطة بغض النظر عن اسم الرئيس ولقبه!
السيد عمار غول يجب أن يعرف بأن مؤسستي الرئاسة والجيش لهما ما يكفيهما من الناطقين باسمهما، ويجب أن يعلم بأن الشعب كفيل بأن يدافع عن الرئاسة والجيش، وبأن دوره كوزير ورئيس حزب يقتصر على الدفاع عن مصالح الشعب أولًا، ثم مصالح الهيئات التي يشرف عليها، ولا أحد طلب منه الدفاع عن السعيد وقائد الأركان ومدير المخابرات، ويجب أن يعرف بأن السلطة في الجزائر ليست مسألة عائلية أو حزبية بقدر ما هي قضية وطنية تهم الدولة والشعب على حد سواء!
للأسف هذه عينة من المحسوبين على محيط الرئيس الذين أوصلوا العمل السياسي إلى هذا المستوى من الانحطاط الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الجزائر بفعل التهريج والتخريف اليومي الذي نسمعه من بعض الوزراء وزعماء الأحزاب الذين لا يقدرون وزن التصريحات التي يطلقونها، والأفكار التي يسوقونها في كل مناسبة إلى درجة صرنا نشفق عليهم وعلى الدولة التي يمثلونها بشكل رديء ومنحط، ونشفق على الشعب الذي يتألم كلما استمع إلى أشباه الساسة وأنصاف الرجال الذين يريدون البقاء في السلطة باسم الرجال والمؤسسات، ودون أدنى اعتبار للقيم والمبادئ والأخلاق.
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 29 جوان 2015