hafid derradji

نريدها دولة واحدة لكل الجزائريين

تعود غدا ذكرى اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة ويعود معها الحديث مجددا عن الانشغالات والتحديات التي يرفعها أكثر من مليوني شخص معاق في الجزائر يتخبطون في كثير من المشاكل النفسية والاجتماعية والقانونية واللوجستية والتنظيمية، ويعانون تمييزا كبيرا بينهم وبين إخوانهم “الأصحاء” وتمييزا غريبا بين أصحاب مختلف الإعاقات على غرار ما يحدث بين المعاق حركيا والكفيف، وبين الكفيف ابن الشهيد والكفيف ابن المواطن العادي!

الأسبوع الماضي حضرت في الدوحة مؤتمرا عربيا لذوي الاحتياجات الخاصة والتقيت مكفوفا جزائريا متميزا ومبدعا لا تشعر بإعاقته عندما تجالسه وتستمع إليه، واكتشفت حجم المعاناة والتمييز الذي يعاني منه ذوو الاحتياجات الخاصة في الجزائر سواء كانوا معاقين حركيا أو ذهنيا أو من الصم البكم، أو أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة!

علمت بأن الأكمه (الذي ولد كفيفا) والضرير (الذي فقد بصره) تصنف إعاقتهما في الجزائر في خانة الأمراض المزمنة ولا تعتبر إعاقة! وعلمت بأن المعاق حركيا يحصل على منحة شهرية تقدر بـ 4000 دج بينما يحصل صاحبنا الكفيف وأمثاله على مبلغ 3000 دج! كما علمت بأن الدولة توفر للمعاقين حركيا كراسي متحركة ومجانية النقل، بينما لا توفر للمكفوفين النظارات والعصي الخاصة بهم لأنهم مصنفون ضمن خانة ذوي الأمراض المزمنة!

صدمتي كانت كبيرة عندما علمت بأن “الأكمه والضرير” ابن الشهيد يحصل على منحة أكبر وامتيازات أكثر من ابن المواطن العادي والأسرة المعوزة رغم أنهما أبناء وطن واحد ويعانون من الإعاقة نفسها والمتاعب والمشاكل اليومية نفسها، وكلهم بحاجة إلى نظارات وعصي ومنح مالية ومراكز تكوين، ومناصب عمل لإدماجهم في الحياة الاجتماعية.

صحيح أن حوالي 50 ٪ من ذوي الاحتياجات الخاصة هم من المعوقين حركيا حسب أرقام الديوان الوطني للإحصاء و وزارة التضامن والأسرة، لكن إخوانهم المكفوفين والصم البكم والمعاقين ذهنيا والذين يعانون من أمراض مزمنة يحتاجون بدورهم إلى رعاية في مدارس خاصة لتعليمهم وتكوينهم، ويحتاجون إلى وسائل وإمكانات مادية تساعدهم على تجاوز إعاقاتهم، وتجاوز كل مشاعر التمييز التي يتخبطون فيها.

“الأكمه” الإنسان الذي ولد كفيفا مثل صاحبنا الذي التقيته في الدوحة يقر بأن ترسانة القوانين الموجودة في الجزائر لا تختلف عما هو موجود في البلدان المتطورة والمتحضرة، لكن المشكلة في التطبيق والتجسيد على أرضية الواقع على غرار القانون الذي يفرض على المؤسسات أن يكون ضمن تعداد موظفيها واحد من المائة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو القانون الذي لا تلتزم به كل المؤسسات، مما جعل هذه الفئة عالة على الأسر والمجتمع، وتشعر بكثير من الحقرة والتمييز والإقصاء!

الاحتفالات بالذكرى ستعم أرجاء الوطن غدا ككل مرة، ويتجدد معها استغلال آلام أبنائنا وأهلنا لأغراض سياسوية، وسيعود الحديث مجددا عن مشاريع قوانين جديدة وزيادات في الكنح الشهرية وتسهيلات إضافية لأكثر من مليوني مواطن جزائري، لكن بعد الرابع عشر مارس سننسى كل شيء ويبقى الأكمه والضرير ضمن خانة المصابين بأمراض مزمنة، ويبقى الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة من دون أدنى حاجياتهم الأساسية التي تضمن لهم عيشا كريما، وتغنيهم عن التسول والتوسل والتودد!.

حفيظ دراجي

نشر في يومية الشروق بتاريخ 13 مارس 2016

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل