hafid derradji

ماذا عن ما بعد بوتفليقة؟

ما تسوقه الموالاة في الفترة الأخيرة بخصوص الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بأنه هو الذي يفكر ويخطط ويقرر، وبأنه أسطورة ومعجزة لن تتكرر، وأنه صاحب الفضل في كل الإنجازات التي تحققت، وسعيها لاختزال بلد بحجم الجزائر في شخص رجل واحد دون غيره من الرجال والمؤسسات، هو أمر خطير يهدد مستقبل الجزائر، وينذر بانهيار البلد بعد رحيل بوتفليقة ما دام مصيرها وحاضرها ومستقبلها يتوقف على “الرجل الأسطورة” الذي لا يقدر على الكلام ولا الوقوف ولا المشي!

أغلب الساسة والوزراء والمسؤولين يمجدون الرئيس ويقدسونه في كل خرجاتهم بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الأمم وينسبون كل الإنجازات لفخامته دون غيره حتى ساد الاعتقاد بأن الأمر يتعلق “بسوبرمان” وبأن الجزائر ستنهار من بعده لأنها لم تنجب غيره، ولن يقدر أحد على خلافته لذلك يجب أن يبقى رئيسا إلى الأبد، وكل من يطمح لمنصب الرئيس فهو كافر وخائن يجب تحطيمه.

صحيح أن بوتفليقة نفسه يعتقد الشيء نفسه، واختزل الوطن في شخصه بعدما استحوذ على كل السلطات والصلاحيات فأصبح هو الرئيس ووزير الدفاع، والقائد الأعلى للقوات المسلحة والقاضي الأول في البلاد، وحامي الدستور، وهو الذي يعين ويقيل الوزير الأول والوزراء والسفراء والمديرين والولاة ورؤساء الدوائر والأمناء العاميين للبلديات، والكل يعلم بأنه هو الدولة وهو السلطة وهو كل شيء ونحن لا شيء في هذا الوطن! لكن هذه النرجسية والاستحواذ على كل هذه السلطات والصلاحيات يهدد مستقبل الجزائر خاصة إذا كان صاحبها عاجز!

منذ مجيء بوتفليقة إلى الحكم لم نسمع عن إنجاز سياسي أو فكري أو علمي أو حتى رياضي حققه مبدع جزائري لوحده دون أن يكون لبوتفليقة الفضل في ذلك وكأنه رب لا يتحقق شيء في هذا البلد إلا بإذنه وإرادته، ومن لا يذكر فضل الرئيس في أي إنجاز سيتعرض للعقاب والإقصاء أو يقال من منصبه! حتى تأهل المنتخب الجزائري لكرة القدم إلى جنوب أفريقيا والبرازيل تحقق بفضل عناية ورعاية فخامته!

الأمر بلغ درجة كبيرة من الخطورة لدرجة ساد الاعتقاد بأن رحيل بوتفليقة يهدد الاستقرار، ويمهد للفوضى ويقود إلى انهيار الدولة الجزائرية التي صارت دولة فقط منذ مجيء فخامته سنة 1999، رغم أن الجزائر لم تعد دولة وغرقت في وحل الرداءة والتراجع والتخلف منذ بداية الألفية بسبب ممارسات الرجل ومحيطه الذي استند طيلة فترة حكمه على السلطة البوليسية وعلى الجهوية ومافيا المال والانتهازيين، وأبعد الكفاءات وحطم الأحزاب والجمعيات والمؤسسات، وقزم دور الجامعات والنقابات والإعلام العمومي والخاص.

بوتفليقة صار هو الدولة والدولة هي بوتفليقة رغم عجزه، وشقيقه صار هو الرئيس الفعلي الذي يأتمر بأوامره الوزير الأول وأعضاء الحكومة والسفراء والمديرون ومسؤولو كل المؤسسات المنتخبة والمدنية والعسكرية بعيدا عن قوانين ومؤسسات الجمهورية في سابقة ليس لها مثيل في التاريخ.

بوتفليقة ومحيطه دفعوا بعمار غول وأمثاله إلى التهجم على مؤسسات الجمهورية من أجل عيون الرئيس، ودفعوا بالموالين والانتهازيين إلى محاربة كل من لا يذكر فخامته بخير، ومحاربة كل من يتجرأ على انتقاده أو معارضته، فعادوا بنا إلى زمن الجاهلية والعبودية، وعادوا بنا إلى عهد الرجل المعجزة الذي يحل كل مشاكل الجزائر بواسطة رسائل تكتب باسمه من دون أن يطلع على مضمونها، وقرارات تتخذ نيابة عنه من دون علمه بها، ومن خلال جيش من الموالين والمنتفعين الذين يكذبون وينهبون اليوم، وسيفرون لا محالة غدا عندما يرحل بوتفليقة!

المحللون والمتتبعون للمشهد الجزائري في الداخل والخارج لم يقدروا على فهم هذا السيناريو الذي يحدث في الجزائر، وكثير منهم يتخوف من المستقبل في ظل هشاشة المنظومة السياسية والاجتماعية والتراجع الاقتصادي الحاصل، ويعتقدون بأن الرجل الأسطورة يستمد قوته من ضعف الآخرين، ومن خوف كثيرين، وبأن ما بعد بوتفليقة سيكون كارثة على الموالين قبل المعارضين، وعندها سيدفع الشعب ثمن استقالته من المشهد وثمن ثقته العمياء في الرجل الأسطورة الذي سيرحل يوما وتبقى الجزائر!

حفيظ دراجي

نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 7 مارس 2016

 

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل