hafid derradji

لماذا يجب أن يحدث التغيير؟

منذ فترة طويلة يحاول محيط الرئيس ومن معهم من الموالين والمنتفعين تغليط الرأي العام وإيهامه بأن المعارضة في الجزائر تريد تنفيذ انقلاب على الشرعية، وبأنها معارضة تسعى إلى إحداث الفتنة والفوضى والعودة بالجزائر إلى سنوات الدمار، لكن الواقع يثبت بأن المعارضة في الجزائر هي معارضة مسالمة ومسؤولة، لم نسمع منها لحد الآن ما يثير الفتنة أو يدعو إلى الانقلاب على مؤسسات الجمهورية، ولا تزال ملتزمة رغم الاستفزازات التي تتعرض لها ويتعرض لها الشعب.

المعارضة في كل بلاد العالم تعارض الأنظمة وتسعى للوصول إلى السلطة، لكن السلطة في الجزائر تعتقد بأنها هي الدولة، ولا تتصور نفسها أبدا خارج السلطة، ولا تحترم المعارضة ولا الشعب، ولا تقبل التغيير الذي يريده كثير من الجزائريين لإعطاء نفس جديد للدولة من خلال الانتقال السلس والسلمي للسلطة، والانتقال من عهد الشرعية التاريخية والثورية إلى الشرعية الشعبية التي يكون فيها الشعب فعلا هو السيد.

التغيير يجب أن يحدث لأن الجزائر تسير من دون رئيس يخطب في شعبه ويستجيب لانشغالاته ويقوم بواجباته الدستورية، ويمثل البلد في المحافل الدولية خاصة بعدما صارت صوره على شاشات التلفزيون مسيئة له وللجزائر وشعبها الذي يشعر اليوم بتراجع مكانة الجزائر بين الأمم بسبب عجز الرئيس! والتغيير يجب أن يحدث لأن شقيق الرئيس صار هو الرئيس، وعلي حداد هو رئيس الحكومة دون أن يختارهما الشعب، ولأن باقي المؤسسات انهارت، والشعب فقد ثقته، والوضع بلغ درجة كبيرة من الخطورة.

التغيير يجب أن يحدث لأننا نريد الانتقال إلى الجمهورية الثانية، وليس إلى الدولة المدنية على الطريقة الجزائرية التي تدعو إلى تشكيل جبهة جماعات مصالح تستمر في اختطاف الدولة وترسخ الأحادية والدكتاتورية، وتتحايل على الشعب، وتمارس الإقصاء والتخوين لكل من يختلف معها، وتستثمر في التزام الشعب وخوفه على وطنه لتمارس الابتزاز في حقه!

التغيير يجب أن يحدث لأن الجزائر دخلت مفترق طرق بعد تراجع أسعار النفط، وصارت معرضة للخطر باعتراف السلطة بفعل السياسيات الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة، والتغيير يجب أن يحدث لنتفرغ لتحقيق التنمية الشاملة التي صارت أولوية الأولويات بعدما تمكننا من تحقيق السلم بفضل استجابة الشعب لنداء الوطن بضرورة تجاوز الأحقاد التي تراكمت في ظروف صعبة مرت بها الجزائر!

التغيير يجب أن يحدث لأن المنظومة فشلت في بناء دولة المؤسسات التي كنا نحلم بها، وفشلت في تحقيق الانسجام الاجتماعي وفي تحقيق التنمية الشاملة التي وعدتنا بها، وتسببت في فضائح الفساد والنهب التي تعرض لها الاقتصاد الوطني في عهد بوتفليقة الذي كان عهد الشعارات والوعود رغم إنفاق ما يقارب 1000 مليار دولار.

لأن مشاعر التذمر والاحتقان ازدادت في كل الأوساط، والمعارضة توحدت وتوسعت لتضاف إلى العشر ملايين جزائري الذين لم يصوتوا في الرئاسيات الماضية، فإن إعادة الكلمة للشعب صارت ضرورية وحتمية لتجاوز واحدة من أصعب مراحل الجزائر المستقلة، والسماح للجيل الصاعد بتقرير مصيره واختيار مشروع المجتمع الذي يريده بعيدا عن تلك الوجوه المستفزة والفاشلة والحاقدة؟

التغيير يجب أن يحدث لأن الجزائر في حاجة إلى نفس جديد على كل المستويات، وفي حاجة إلى تقدير الجهد والكفاءة، وليس الرداءة والكسل، وفي حاجة إلى حب واحترام بين أبنائها، ولم تعد في حاجة إلى حقد وانتقام، وصارت الأولوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية، وهي كلها عوامل تسمح للجزائريين باستعادة ثقتهم في أنفسهم وفي بلدهم.

من يخيفون الشعب بتكرار ما حدث في ليبيا وسوريا ومصر في الجزائر في حالة رحيل بوتفليقة، يجب أن يعلموا بأن ممارساتهم هي المتسبب في التراجع والتخلف والاحتقان والتذمر الحاصل اليوم، وهو ما سيعيدنا 23 سنة إلى الوراء، ويجب ان يعلموا بأن التغيير هو سنة الحياة وسيحدث لا محال آجلا أم عاجلاً.

يجب أن يحدث التغيير السلمي التوافقي الجزائري الذي تصنعه السلطة والمعارضة معًا، وتصنعه النخبة الجزائرية الصادقة وليس الشارع أو القوى الأجنبية لأن الانسداد الحاصل اليوم هو الذي سيقودنا إلى تكرار سيناريو ليبيا وسوريا ومصر، ولأن سياسة الترهيب والتخويف والتهديد هي أخطر ما يهدد الدولة والمجتمع بعدما بلغت درجة مثيرة للاستفزاز وتزيد من مخاوف الجزائريين على مستقبلهم.

حفيظ دراجي

نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 9 نوفمبر 2015

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل