كثير من الجزائريين يشعرون اليوم بخيبة وحسرة على ما آل إليه بلدهم من تخلف وتراجع ورداءة وفساد ونهب لخيراته، وكثيرون يدركون حجم التحايل الذي تمارسه عصابة اختطفت الدولة ورهنت مستقبل الأجيال الصاعدة التي ستضحك علينا يوما وتستهزئ بنا عندما يكتب ويقال عنا بأننا كنا متواطئين أو جبناء، لم نقدر على تغيير واقعنا وصناعة مصيرنا، ولم نقدر على مقاومة المفسدين وصيانة الأمانة وبناء الدولة التي نستحقها!
ما يحدث اليوم أمام أنظارنا وأسماعنا، وما يتم التخطيط له من طرف الجماعة للبقاء في السلطة وإخضاع الشعب لنزعتها التسلطية رغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة سيكون وصمة عار على جبين المحايدين والصامتين والخائفين والطماعين، أكثر مما سيكون وصمة عار على جبين أولئك الذين اختطفوا الدولة واهانوا الرجال والمؤسسات، وأخفقوا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير الحياة الكريمة للجزائريين!
الكل يتابع هذه الأيام بألم وحسرة تلك التراشقات وتبادل التهم بين ساسة وجنرالات وشخصيات كانوا من صناع واحدة من المراحل الصعبة والمؤلمة في تاريخ الجزائر، وبعد سنوات ستستعيد الأجيال اللاحقة محطات أخرى مؤسفة ومخزية عن فترة بداية الألفية وما حدث فيها من تزوير للحقائق ونهب وسلب للمال العام، وسطو على الإرادة الشعبية، وسيدركون بأننا عشنا كذبة كبيرة اسمها الأمن والاستقرار والتنمية والعزة والكرامة التي خلفت خوفا واضطهادا وتخلفا رغم كل الموارد المالية التي توفرت لدينا!
عندما تستعيد الأجيال اللاحقة شريط أحداث بداية الألفية ستضحك علينا لأننا قبلنا بأن يحكمنا رئيس عاجز عن القيام بواجباته الدستورية، وسكتنا عن شقيقه الذي احتجز الرئيس وراح يتصرف في شؤون الدولة كما يحلو له رفقة جماعة همها الوحيد هو إلهاء الشعب وتخويفه وشراء ذممه من أجل البقاء في السلطة بالاستعانة بجيش من العملاء الفاشلين والانتهازيين، وبفرنسا وأمريكا اللتين استفادتا من خيرات الجزائر أكثر مما استفاد منها الشعب ذاته!
سيقولون عنا بأننا كنا جبناء سكتنا عن فشل المنظومة في بناء الدولة في زمن البحبوحة، وسكتنا عنها عندما ضيعت علينا فرصة تحقيق التنمية لما كان سعر النفط يفوق مائة دولار للبرميل، وسكتنا عنها عندما راحت تتحايل على الشعب وتطالبه بتحمل تبعات الأزمة، وتشجع الرداءة وتكرس الجهوية بإقصاء الكفاءات والاستعانة بالانتهازيين والرديئين في كل مواقع المسؤولية ليغطوا على فضائح الفساد وسوء التسيير.
الأجيال القادمة لن ترحمنا وستلومنا على سكوتنا عن كل أنواع النهب التي تعرضت لها خيرات الوطن، وسكوتنا على فضائح الفساد السياسي والمالي والاجتماعي الذي تفشى في بداية الألفية في كل الأوساط، وتغول رجال المال الذين تحكموا في اقتصاد الوطن، وتغلغلوا في كل مؤسسات الوطن، وتحكموا في رقاب الناس لدرجة لم يسبق لها مثيل ولن تتكرر عبر التاريخ.
سيلومنا أبناؤنا على صمتنا على التلاعب بالدستور أربع مرات خلال 15 عاما كاملة، وعلى سكوتنا عن تحويل المشهد السياسي والإعلامي إلى مهزلة حقيقية تم فيها تكميم الأفواه وتقزيم الأحزاب والجمعيات والمنظمات والنقابات التي صارت مجرد لجان مساندة تخلت عن واجباتها بعدما استفادت من سياسة توزيع الريع، وصارت مجرد هياكل يعبث بها شقيق الرئيس وزعيم الأفلان، وقائد الأليغارشية الجديدة علي حداد، وكل المتواطئين معهم في الجيش والحكومة والبرلمان والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني وباقي مؤسسات الجمهورية!
قليل من الجزائريين بعد سنوات سيفتخرون بأنهم كانوا ضد منظومة الفساد رغم التهديد والتخوين والتخويف، وكثير من الجزائريين سيخجلون من أنفسهم لأنهم كانوا ينتمون إلى جيل أيد منظومة فاشلة وفاسدة، أو تواطؤ معها، أو وقف موقف المتفرج من كل الإساءات التي تعرض لها الوطن. عندئذ ستصنفنا الأجيال الصاعدة ضمن خانة الخونة، وسنندم على أننا كنا ننتمي إلى هذا الجيل المتواطئ مع عصابة لا تخاف الله ولا تحترم الشعب ولن تتردد تهديم ما بقي من هذا الوطن.
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 18 يناير 2016