hafid derradji

قد يكون الحل الأمثل؟

مقال لم ينشر لأن بوتفليقة أقال التوفيق يوم 13 سبتمبر

في ظل الانسداد السياسي الحاصل، والأزمة الاقتصادية المرتقبة، وكذا الصراع الفعلي الدائر بين أطراف في السلطة منذ مدة، وما ترتب عنه من احتقان سياسي وارتباك اجتماعي قد ينعكس على مستقبل الجزائر، يبدو رحيل كل الأطراف المتصارعة بطريقة ديمقراطية وحضارية راقية هو الحل الأقل ضررًا والأكثر منفعة للجزائر ولكل الأطراف لفسح المجال أمام جيل جديد يقود البلد من دون حقد أو كراهية ومن دون رغبة في الانتقام وتصفية الحسابات، ويخلصنا من الرداءة التي تفشت في كل المؤسسات منذ انتقال السلطة من رئيس منتخب إلى شقيقه الذي عبث بشؤون الدولة إلى درجة لا تطاق.

تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة يغادر على إثرها الرئيس وقائد الأركان ومدير المخابرات مناصبهم معززين مكرمين، ويختار الشعب رئيسه لأول مرة بكل حرية ومن دون تحيز أو تدخل من أي جهة سيكون بمثابة انتصار للديمقراطية في الجزائر، وانتصار لبوتفليقة وڤايد صالح ومحمد مدين، وانتصار أيضًا لمؤسستي الرئاسة والجيش، ولكل الشرفاء والنزهاء في هذا الوطن من الذين لا يرضون استمرار الضرر الذي تتعرض له الجزائر بسبب العناد والأنانية والنرجسية التي طغت على التصرفات والممارسات على كل المستويات.

عجز الرئيس عن القيام بواجباته، وتسيير البلد بالوكالة من طرف شقيقه، وبوادر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تلوح في الأفق، وكذا التغييرات التي حدثت مؤخرًا على جهاز المخابرات وبعض مؤسسات الجيش الوطني الشعبي قد تكون كلها عوامل تساعد على التوجه نحو بلوغ هذا المسعى التوافقي من دون خاسر أو منتصر بين جميع الأطراف التي تكون بذلك قد حققت إنجازًا غير مسبوق تخرج على إثره من الباب الواسع، ونظل نحفظ لها جميلها وجهودها وتضحياتها مدى الحياة.

يترشح للانتخابات المسبقة كل من تتوفر فيه الشروط القانونية من دون استثناء، وتنظم بعد تعديل الدستور التوافقي الذي يكرس الحريات ودولة القانون، وينص على تشكيل هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات لضمان الحيادية والنزاهة في العملية الانتخابية، ويمهد لانتخاب رئيس يستند إلى شرعية شعبية وليس شرعية تاريخية أو ثورية، ولا إلى شرعية المال ورجال المال الجدد الذين تكاثروا خلال السنوات الماضية وتوغلوا داخل كثير من الهيئات المنتخبة ومؤسسات الجمهورية التي تلوثت برائحة المال الفاسد، وصار فيها كل شيء يباع ويشترى على حساب القيم والمبادئ.

إن حدوث مثل هذا الاحتمال سيكون انتصارًا للحكمة التي ستعيد السيادة للشعب، وسيكون بمثابة الحل الوحيد للمأزق الذي نعيشه اليوم بين أطراف السلطة المتصارعة، وعدم التوافق الحاصل بين كثير من الشخصيات والمؤسسات، وسيكون بمثابة الحل الوحيد لنتخلص من تداعيات أزمة شرعية السلطة التي تعود إلى فجر الاستقلال، ونتفرغ بعدها لبناء الإنسان الجزائري، ثم بناء الدولة والبلد على أسس ديمقراطية، وليس على أساس جهوي أو عرقي، وعندها سنجنب البلد دوامة أخرى من الاحتقان وتصفية الحسابات!

بقدر ما قد يلقى هذا الاحتمال توافق المعنيين، وتوافق الطبقة السياسية وكل فئات الشعب، فإنه من دون شك سيلقى اعتراضًا من طرف المنتفعين من الوضع الراهن، وكل الانتهازيين، ويلقى اعتراضًا من شقيق الرئيس ومحيطه الذين لن يرضوا عن استمرار بوتفليقة بديلاً، أو ترشيح أحد المقربين منهم للاستمرار في الاستيلاء على الجزائر والتوجه بها إلى الحائط، وإلى مزيد من الاحتقان والحقد والكراهية، ومزيد من التراجع في كل المجالات بعدما أثبتوا فشلهم وتسببوا في إثارة الفتنة في الأوساط السياسية والشعبية، وفتنة كبرى بين الرئيس ومدير المخابرات، وتسببوا في كثير من فضائح النهب والتبذير للمال العام، وفشلوا في تحقيق التنمية رغم الموارد المالية الضخمة التي توفرت لدينا طيلة 15 عامًا.

 

هذا السيناريو الممكن والمحتمل سيكون الأقل ضررًا على الجزائر، وسيحفظ ماء الوجه من دون أن ينقص من قيمة أي من الأطراف لأن الجزائر ستخرج منتصرة، وببلوغه نُفوّت الفرصة على المغامرين من المحيطين بالرئيس، وعلى فرنسا وعملائها قبل أن يستحوذوا على ما تبقى من سيادتنا وسلطة قرارنا التي تكاد تفلت من أيدينا بعدما ازدادت وتيرة إملاءات الفرنسيين وتدخلاتهم في الشأن الداخلي، وتزايدت امتيازاتهم في الجزائر منذ فترة العلاج التي قضاها الرئيس في فال دوغراس.

ماعدا هذا السيناريو التوافقي الذي يكرس المصالحة الحقيقية بين السلطة والشعب، وبين الجيل السابق والجيل الصاعد لا يبدو في الأفق حل آخر للأزمة متعددة الأوجه التي وقعنا فيها، خاصة وأن الجزائر صارت في غنًى عن مزيد من المكر والخداع والتحايل، والذي لن يؤدي سوى إلى مزيد من الاحتقان، ويهدد استقرار الوطن الذي دفع الجزائريون من أجله الكثير!

حفيظ دراجي

نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 14 سبتمبر لكن اقالة الجنرال التوفيق جعلتني أكتب مقالا أخر

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل