كثيرا ما يتم الخلط بين السلطة والدولة من قبل من احتالوا وتسلطوا علينا، واختطفوا الرئيس ومؤسسات الجمهورية رفقة جيش من المنتفعين والانتهازيين، وأولئك الذين لا يمكن أن يتصوروا أنفسهم خارج السلطة اعتقادا منهم بأنهم هم الدولة وهم الوطن، ومن يعارضهم أو يختلف معهم فهو من الخونة الذين لا يحترمون الشرعية ويهددون استقرار الوطن، ويجب إقصاؤهم والتضييق عليهم ومحاربتهم، لأنهم يشكلون خطرا عليهم وعلى السلطات التي. استحوذوا عليها!
لكن الحقيقة أن الخطر الذي يهدد الدولة الجزائرية اليوم، مصدره ليس جهات خارجية وليس الأحزاب السياسية والشخصيات المعارضة أو الصحافة المستقلة، كما يتم تصويره لتخويف الناس وتخوين من نختلف معهم، بل مصدره السلطة المطلقة للجماعة الحاكمة في الجزائر، والتي أدت إلى مفسدة مطلقة، وأدت إلى انسداد سياسي وفكري، وفقدان الانسجام الاجتماعي، وتراجع الاقتصاد والقيم والأخلاق إلى درجة صارت فيها وحدة الوطن مهددة ومستقبل الأجيال في خطر من طرف من يدعون حماية الوطن والحفاظ على استقراره.
السلطة القائمة في الجزائر صارت خطرا على الدولة وعلى الحرية والديموقراطية منذ وقعت بين أيدي ثلاثة أشخاص استحوذوا على كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومنذ أحاطوا أنفسهم بالرديئين والمنتفعين ورجال المال، ومنذ راحوا يضمنون الحماية للمفسدين ويغطون على ممارساتهم، وصارت السلطة نفسها خطرا على الدولة منذ عفست الدستور وكسرت مؤسسات الجمهورية، وراحت تسير شؤون البلد بعيدا عن الأطر المؤسساتية والقانونية دون أدنى اعتبار لانتقادات الصحافة والأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني.
حتى المؤسسة العسكرية لم تعد اليوم مؤسسة واحدة موحدة لكل الجزائريين بعدما خرجت عن حيادها ونجح محيط الرئيس في اختراقها وتقزيمها وتقسيمها، وجعلها تحت تصرف السلطة المطلقة للجماعة وليس في خدمة الشعب والدولة ومؤسسات الجمهورية في سيناريو يراد منه تكسير الجيش والانتقام من جهاز المخابرات الذي فجر قضايا الفساد والنهب في سوناطراك والطريق السيار والخليفة وأموال الدعم الفلاحي، وهي كلها قضايا تورط فيها الكثير من رجال الرئيس ومحيطه الذين يريدون غلق تلك الملفات ومحو أثارها.
السلطة المطلقة رفعت شعار الدولة المدنية سعيا منها للانفراد بالسلطة من طرف بضعة أشخاص مدنيين دون رقيب أو حسيب بعدما صارت المجالس المنتخبة مجرد ديكور سياسي لا تقدر على ممارسة مهامها الدستورية، وبعدما تم شراء ذمم كثير من فئات هذا الشعب، وشراء ذمم القوى الكبرى في العالم من بينها فرنسا التي استفادت من مشاريع استثمارية ضخمة جعلت فرانسوا هولاند يشيد بالقدرات الذهنية للرئيس بوتفليقة، ويغفل عن عجزه في الحركة والكلام والقيام بواجباته الدستورية والبروتوكولية!
السلطة صارت خطرا أيضا على الدولة والشعب لأنها فشلت في تسيير شؤون الوطن وتحقيق النمو والرفاهية لشعبها، وفشلت في تحقيق الانسجام بين أطياف المجتمع ومارست الإقصاء، وأفرغت المؤسسات من الرجال والكفاءات، وتحالفت مع الرديئين والانتهازيين، ومع رجال المال والأعمال الذين يتزايد نفوذهم وثراؤهم في وقت يتزايد الاحتقان والتذمر، وتتسع الهوة والفوارق بين أطياف المجتمع.
السلطة في الجزائر صارت خطرا في الوقت الراهن، وتهدد المستقبل لأنها قائمة على الحقد والإقصاء، وتعتقد بأنها قادرة لوحدها على تسيير شؤون الوطن، وتنسى بأنها ستصطدم بجيل صاعد مختلف لم يعش الأزمات السياسية والاجتماعية والأمنية السابقة، ولا يخاف شيئا لأنه لا يملك شيئا ويفتقد لكل شيء، وتصطدم بجيل تعوّد على الحياة السهلة ولن يكون في مقدوره الصبر وتحمل تبعات أزمة اقتصادية جديدة يفقد إثرها كل المكاسب التي حققها دون عناء قامت بتوفيرها السلطة لشراء صمته دون أن تدرك بأن السحر سينقلب على الساحر، وغدا لن يشبه البارحة واليوم!
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 22 جوان 2015