وأخيرًا أزيح الستار عن السيناريو الذي كنا نتوقعه بإزاحة كل من يشمون فيهم رائحة الرجولة، ويشكون في رفضهم لمشروع فرنسا في الجزائر، والقاضي بالانتقام من المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات، ومن الفريق محمد مدين الذي التزم الصمت طيلة أكثر من عقدين من الزمن، والتزم باحترام قرارات الرئيس بما في ذلك تلك التي مست جهاز المخابرات ورجاله، ومسته شخصيا، لكن ذلك لم يشفع له، ولن يشفع لبقية الرجال الذين سيسقطون الواحد تلو الآخر تباعًا، وتسقط باقي مؤسسات الجمهورية بين أيدي المافيا الجديدة التي ستقود البلد إلى الانهيار.
لقد أزيح النقاب البارحة عن آخر فصول السيناريو الذي تم التخطيط له في “فال دو غراس” للاستمرار في اختطاف الدولة، وتنفيذ مشروع التوريث، والانتقام من الشعب الجزائري، ومن المؤسسة العسكرية ورجالها الذين رفضوا تركيع الجزائر، ووقفوا في وجه السعيد بوتفليقة ومن معه في أجهزة الدولة التي يراد لها أن تكون كلها بين أيدي رجل واحد لا يقدر حتى على الكلام والوقوف والمشي، ويفوض صلاحياته لاشخاص لا يقدرون حتى على تسيير بلدية صغيرة!
قرار “فرنسا” البارحة بإقالة الفريق محمد مدين، والذي وقعه الرئيس ونفذه شقيق الرئيس مع بعض المتواطئين كان متوقعا منذ مدة رغم تطمينات الكثير من الموالين الذين كانوا يرددون على أسماعنا بأن إعادة هيكلة الجيش وجهاز المخابرات تتم بالتوافق مع الفريق محمد مدين، والغاية منها تحقيق الدولة المدنية وإعادة الجيش إلى الثكنات لتأدية مهامه الأساسية في حماية الوحدة الترابية للوطن! والحقيقة أنكم تنفذون أجندة خارجية وتريدون التخلص من عقدة جهاز المخابرات التي لازمتكم طويلا!
بعد ذهابه سيصبح الفريق محمد مدين بين عشية وضحاها من الماضي، وقد يصبح خائنا وهو المتسبب في كل المحن التي مرت بها الجزائر وسيخرج إلينا الكثير من أشباه الرجال ليقصفوا الرجل بكل الأسلحة الفتاكة، حتى من أولئك الذين كانوا يحتمون به ويدعون قربهم منه ويتمنون اتصالا هاتفيا منه أو لقاءً معه. هؤلاء وأولئك لن يجرؤوا على قول كلمة صدق في حق الرجل لأنهم جبناء يقفون مع الواقف، وحتى عمار غول لن يجرؤ مجددا على القول بأنه يلعب الكرة مع التوفيق لأنه سيخاف من السعيد.
سيرتمي على بطونهم الكثير ممن كنا نتعقد بأن فيهم رائحة الرجولة والاعتراف بأفضال الرجل عليهم، وسيسجد الكثير من العبيد “لرب الدزاير” الجديد الذي سيصبح ملكا دون منازعا إلى أن يقرر الشعب استعادة سيادته بعد أن يشبع من الدكتاتورية والظلم والفساد، ويدرك بأن الذي حدث منذ عودة الرئيس من “فال دوغراس” هو مخطط جهنمي لاحتلال فرنسي جديد للجزائر وتركيع الشعب والاستحواذ على خيرات الوطن، وهو خدعة كبيرة تعرض لها الشعب!
الرجل اللغز كما كان يلقب لن ينتظر من أحد لكي يدافع عنه ولن يكون في حاجة إلى أحد مثلما كان طوال حياته، لكنه سيطعن في الظهر من دون شك من أقرب المقربين لأن التجارب في الجزائر علمتنا بأن الكلاب تنهش لحم الرجال عندما يسقطون، وهو الأمر نفسه الذي سيحدث لأحمد أويحيى وعبدالمالك سلال والڤايد صالح قريبًا، والذين سيتخلص منهم شقيق الرئيس، ويتخلص من آخرين، وينصب رجاله من أبناء منطقته، ورجاله الفاسدين والفاشلين والرديئين، وأصحاب المال الفاسد الذي تغلغلوا في كل مؤسسات الدولة، ونهبوا الخيرات، وساهموا في تراجع الجزائر في كل المجالات رغم كل الموارد المالية التي توفرت لدينا.
لا أحد يشك في أن الفريق محمد مدين يتحمل جزءا من مسؤولية ما حدث في الجزائر، وما وصلت اليه الجزائر اليوم على الأقل لأنه كان من الداعمين لبوتفليقة، ولكن سيكتشف الشعب قريبا بأن مشكلة الجزائر لم تكن في الجنرال التوفيق! ومشاكل الجزائر لن تحل برحيل الجنرال التوفيق! وبأن الرجل لم يكن “رب الدزاير” كما أشيع! ولم يكن شريرًا! ولم يكن عميلا! ولم يكن غولا!، وسيكتشفون بأن الدولة المدنية التي وعدونا بها هي دولة السلطة المطلقة للدكتاتورية الجديدة التي لن تتردد في إبادة الشعب لكي تبقى في السلطة.
إننا نشم رائحة كريهة لن نتخلص منها إلا برحيلكم كلكم من دون استثناء، وليس فقط الجنرال التوفيق لأن مسؤولية الاحتقان والتراجع والتخلف الذي تتخبط فيه الجزائر اليوم يتحمله الرئيس والسعيد ومن معهما وليس جهاز المخابرات الذي ارتكز عليه الرئيس ليصبح رئيسا ولكي يبقى رئيسا على مدى 15 عاما، ولا يمكنه أن يقول لنا اليوم بأنه اكتشف بأن الفريق “توفيق” هو سبب هموم الجزائر!
سيادة الجنرال،
لأنك قبلت الرحيل حتى تجنب الجزائر مشاكل أكبر، فان عكس الكثير من الجبناء لن أتردد في تقديم شكري لك على قبولك الرحيل بعدما كافحت مثل الشرفاء، وتألمت وقاومت ووقفت في مواجهة الشر، ولن أتردد في تقديم شكري لك على كل ما فعلته من أجل الجزائر طيلة أكثر من عقدين من الزمن، وعلى أنك كنت دائما تقول: “إنه الرئيس ويجب احترام قراراته”.
شكرا لك على احترامك لقرار الرئيس بأن ترحل! وشكرا لك على كل ما قدمته للجزائر أيها الجنرال، سنكتب للتاريخ كل ما فعلته من أجل الوطن! وسنكتب كل ما فعلوه ضد الوطن! ويجب أن تعلم بأنهم سيتعرون وينكشفون بعد رحيلك، ويجب أن تعلم بان الجزائر فيها الكثير من “جينات” التوفيق، وبأن الرجال في الجزائر لن يتركوا الجمهورية تسقط!
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 14 سبتمبر 2015