hafid derradji

سيناريوهات الجماعة!!

كلنا يذكر ما قاله الرئيس لشعبه في شهر أفريل من سنة 2012، عندما أعلن بأنه “طاب جنانه وعاش من عرف قدره”، وكلنا يعلم أن بوتفليقة كان قرر عدم الترشح لرئاسيات 2014، ثلاثة أشهر قبل موعدها لأسباب صحية، ورشح وزيره الأول عبد المالك سلال لخلافته لكنه سرعان ما تراجع تحت ضغط بعض مقربيه الذين تحايلوا على الشعب واستولوا على الرئاسة ومؤسسات الجمهورية وفعلوا بالجزائر والجزائريين ما يروق لهم، من خلال الدفع ببوتفليقة إلى البقاء رئيسا على الرغم من عجزه.

الجزائريون استفاقوا على كذبة كبيرة اسمها العهدة الرابعة، التي كان عنوانها الاستمرار في استغفال الشعب عوض أن تكون موعدا لتسليم المشعل كما وعد الرئيس الذي يبدو أنه وجد صعوبة في إحكام قبضته على كل الرجال والمؤسسات وتنفيذ مخططاته، مما دفعه إلى الخروج عن صمته والتهجم على بعض الأطراف بطريقة لم يسبق لها مثيل، ودفعت محيطه من المقربين والموالين إلى البحث عن سيناريوهات جديدة تسمح لهم بالاستمرار في الحكم مهما كان الثمن!

كل المعطيات تشير إلى أن المغامرين طووا صفحة عبد المالك سلال كخليفة لبوتفليقة، ويفكرون في التضحية به كوزير أول مباشرة بعد الاستفتاء على الدستور، وبلغ بهم الأمر إلى إبعاده عن الأضواء وعن التصريح لوسائل الإعلام التي صارت حكرا على الوزير الأول الفعلي علي حداد ووزراء الصناعة والنقل والتجارة المقربين من محيط الرئيس مقابل إبعاد أحمد أويحيى عن الواجهة، والتضييق على علي بن فليس، وكل من يشمون فيه رائحة الطموح لخلافة بوتفليقة!

“الجماعة” صارت تدرك حجم الضغوطات التي تعانيها جراء غياب الرئيس وعدم قدرته على القيام بمهامه، وراحت تبحث عن البديل الذي يسمح لها بالاستمرار في مواقعها وحماية ظهرها؛ حتى إن بعضهم اقترح تعيين السعيد بوتفليقة نائبا للرئيس بعد تعديل الدستور، وبعضهم الآخر بلغ به الأمر إلى حد الدفع به إلى خلافة عمار سعيداني على رأس الآفلان، في حين ذهب بعضهم الآخر إلى اقتراح علي حداد نائبا للرئيس أو وزيرا أول أو حتى الدفع به هو أيضا ليكون خليفة لبوتفليقة!

“الجماعة” فكرت أيضا في إنشاء كيان سياسي جديد يقوده شقيق الرئيس أو رئيس منتدى أرباب العمل؛ لتجنب تداعيات أزمة حزب جبهة التحرير، وتجاوز ضعف أحزاب الموالاة الأخرى التي تفتقد للمصداقية والقاعدة الجماهيرية، لكنها اصطدمت بتشويش سياسي وإعلامي، ومن قوى أخرى لا تزال صامدة في وجه من يحاولون الاستمرار في اختطاف الدولة ومؤسساتها، مما أدى إلى التراجع مؤقتا عن فكرة إنشاء حزب “فخر”.

“الجماعة” قررت تمرير تعديل الدستور عبر غرفتي البرلمان وليس عن طريق الاستفتاء الشعبي؛ لأنها تخاف من عقاب الشعب، وتريده دستورا على المقاس يضمن حمايتها بعد رحيل بوتفليقة، ولكن مشروع التعديل الذي أُرسل إلى رئيسي غرفتي البرلمان، لم يخرج إلى العلن إلى حد الآن بسبب التجاذبات الحاصلة في أعلى هرم السلطة حول بعض البنود التي يريد تمريرها محيط الرئيس!

الإسراع في الانتهاء من محاكمة المتهمين في قضايا سوناطراك والخليفة والطريق السيار في الوقت نفسه، وبهذا الشكل المفاجئ يراد به التخلص من قضايا تؤرق “الجماعة” وتشوش على مخططاتها، لذلك تسعى إلى إغلاق ملفات فساد ارتبطت بالسلطة الحالية، وتتخلص من التشويش الذي قد يتسبب فيه بقاء مثل هذه الملفات مفتوحة.

“الجماعة” تدرك جيدا أنها ليست قادرة على تمرير كل مخططاتها، وفقدت الكثير من الدعم الداخلي، لذلك لجأت إلى الدعم الخارجي لمشروع “التوريث”، من خلال إعطاء ضمانات بمنح صفقات استغلال الغاز الصخري لشركات فرنسية وأميركية مقابل سكوتها عن ممارساتها، وإلا كيف نفسر هذا الإصرار على الاستكشاف على الرغم من المعارضة الشديدة من معظم الجزائريين.

لهجة الرئيس في رسالته للأمة بمناسبة عيد النصر، لم تكشف بعد عن كل خلفياتها وتداعياتها، لكن الأكيد أنها كانت ردة فعل على “فعل قوي”، ولم تكن موجهة للأمة كما يعتقد بعضهم، بل بعض مفرداتها كانت موجهة إلى “شخص واحد” ووحيد يحرج المحيطين بالرئيس ويقف في وجه محاولاتهم للانفراد بالحكم بعيدا الرئيس المنتخب ومؤسسات الجمهورية!

الوضع لا يبعث على الارتياح والاطمئنان، والجزائر مقبلة على مغامرة جديدة لمنظومة فاسدة تقودها “جماعة” خطورتها أكبر من الإرهاب، فرضت على الرئيس إقامة جبرية في زرالدة، واستحوذت على كل صلاحياته، وسيطرت على مؤسسات الدولة، ولم تعد مستعدة للتخلي عن السلطة رغم الارتباك الذي تتخبط فيه، بل هي مستعدة إذا شعرت بالخطر للدفع بالأوضاع السياسية والاجتماعية الى التعفن أكثر لخلط الأوراق مجددا..

حفيظ دراجي

نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 30 مارس 2015

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل