من كتب رسالة الرئيس بمناسبة اليوم الوطني للمجاهد أعطانا الانطباع بأنه يعيش في كوكب آخر أو بلد أخر بسبب تجاوزه الحديث عن تداعيات انخفاض أسعار النفط، والانسداد السياسي الحاصل، وتأخر الإفراج عن مشروع تعديل الدستور، وقضايا أخرى راهنة تشغل الرأي العام الوطني، كما أن مضمون الرسالة يوحي بانها موجهة إلى شعب آخر غير الشعب الجزائري بسبب مبالغته في الإشادة بتضحيات الملك محمد الخامس والحسن الثاني والحبيب بورقيبة رحمهم الله، من دون ذكر اسم رجل واحد من أبطال الجزائر.
كاتب الرسالة لم ينسَ استغفال الشعب وتحريضه ودعوته مجددا إلى “تفويت الفرصة على المتربصين بالوطن” علما ان تشبث الرئيس بالكرسي رغم عجزه، وتفويض صلاحياته إلى شقيقه هو أكبر خطر يهدد البلاد والعباد.
رسالة الرئيس الأخيرة تحمل الكثير من الاحتقار وقلة الاحترام تجاه الشعب الجزائري وتضحيات رجاله، وتزيد من خوفنا مما هو قادم من تحايل وتراجع وتخلف سينعكس على استقرار الوطن ومستقبل الأجيال الصاعدة التي لن يكون بمقدورها تدارك كل النقائص والخيبات المترتبة عن الخيارات السياسية والاقتصادية الخاطئة، وسوء التسيير الذي ميز فترة حكم بوتفليقة وشقيقه، ومن معهما من الفاشلين والمنتفعين الذين حكموا الجزائر من دون مشروع مجتمع، ومن دون تخطيط أو تقدير، وانتقموا من الشعب ومؤسسات البلد شر انتقام!
بالريتم الذي تسير عليه الأمور مع تراجع أسعار النفط وقيمة الدينار والمداخيل، وارتفاع نسبة التضخم والجريمة والنهب، وتراجع القيم والأخلاق، وازدياد مشاعر اليأس والتذمر والحقد والإقصاء، ستتوجه الجزائر نحو مستقبل مجهول بعدما كانت من أغنى دول العالم طيلة 15 عاما، وكانت مستقرة وآمنة، وقادرة على الارتقاء إلى مصاف الدول المتطورة، لكنها اشترت التخلف بمواردها المالية، وباختيارها لرئيس صار يشكل خطرا على الأمة!
الجماعة الحاكمة التي أنتجت جيلا شعاره “وان تو تري فيفا لالجيري” ستخلف وراءها مجتمعا اتكاليا واستهلاكيا لا يقدر على إنتاج الثروة، يعاني أزمات أخلاقية وسياسية وثقافية واقتصادية لا يقدر على تجاوزها أي رئيس يأتي بعد بوتفليقة لأن الخزينة العمومية ستفرغ، والموارد المالية ستنخفض مما يؤدي إلى إلغاء الكثير من المشاريع التنموية ماعدا مشروع المسجد الكبير الذي سيكتمل إنجازه مهما كان الثمن لأنه سيحمل اسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة!
الأزمة الأخلاقية ستكون أم الازمات التي تخلفها السلطة الحالية بعدما تفشت فينا كل مظاهر النهب والسرقة والربح السهل، وبعدما ازدادت مشاعر الحقد والكراهية بسبب الإقصاء والجهوية وتصفية الحسابات التي ميزت فترة حكم الرئيس بوتفليقة الذي استحوذ على كل السلطات والصلاحيات، وأحاط نفسه بالمنتفعين والانتهازيين، وأقصى كل الكفاءات التي كان بإمكانها خدمة الوطن وإنقاذه من المحنة التي يتخبط فيها اليوم!
بوتفليقة سيترك وراءه كارثة سياسية في بلد من دون مؤسساته الدستورية قوية، ومن دون مشروع سياسي واجتماعي واضح المعالم بعدما استحوذ على كل الصلاحيات وأهان الكثير من الرجال، وصارت فيه السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في يد رجل واحد يستمد قوته من ضعفنا ومن جيش من المنتفعين الذين كان همهم التربح والنهب وجمع المال وإقصاء الكفاءات وإخضاع الجزائريين لسلطة رجل عاجز لم يفِ بوعوده التي قطعها على نفسه.
نظام حكم بوتفليقة سيخلف كارثة اقتصادية بسبب تبذير المال العام وسوء التسيير وانتهاجه سياسة توزيع الريع وشراء ذمم الجزائريين، وسنرث بلدا لا يتوفر على ملعب محترم، ولا على مستشفى يليق بالشعب، ولا مرافق سياحية وترفيهية، ولا خدمات متطورة وحديثة، وقد تعجز الدولة بعد سنوات على دفع رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين، وعندها سنلجأ إلى الاستدانة الخارجية لتوفير الدواء والغذاء لشعب اعتبره بوتفليقة خادما له مهمته التصفيق والتهليل لفخامته.
سيتركون لنا بلدا من دون مستقبل يحتل منتخبه لكرة القدم المركز الأول قاريا وعربيا في تصنيف الفيفا، ويحتل المركز الأول في تفشي الفساد، والمراكز الأخيرة في مؤشر النمو والتربية والتعليم والعيش الكريم، ويتركون لنا مجتمعا متخلفا فكريا وثقافيا، ومنظومة صحية وتربوية تعيسة ومتخلفة، وشعب يلهث وراء المادة، أو يبحث عن الهربة نحو الخارج، ولا يهمه مستقبل الوطن والأجيال الصاعدة التي سترث جزائر مريضة ومحطمة تقتضي وقتا طويلا وجهدا ومالا كثيرا وتضحيات كبيرة لإعادتها إلى السكة، واستعادة الثقة المفقودة والكرامة المسلوبة.
قد يضطر بوتفليقة للتنحي عن الحكم قريبا لأن الأزمة ستشتد، ولكن محيطه يبقى متمسكا به رغم إدراكه بأنه لن يجد الموارد المالية التي تسمح له بشراء ذمم الجزائريين، وشراء السلم الاجتماعي، وقد يستمر رغم عجزه حتى يشبع غريزته السلطوية، ويحقق غايته من بقائه في الحكم كل هذه الفترة بعدما ينتقم من الشعب والمؤسسات، ويحطم أركان الدولة وتصبح هشة قابلة للانفجار في أي لحظة حتى يقول الناس إن فترة حكم بوتفليقة كانت أفضل، وكان فيها البلد مستقرا، والشعب سعيدا، وبعده سيحل الطوفان!
قد يعتقد كثيرون بأني أبالغ في توقعاتي لجزائر ما بعد بوتفليقة، لكن كل التوقعات تشير إلى أن الإفلاس الفكري والأخلاقي سيكون أشد خطرا من الإفلاس المادي بعدما عشنا كذبة طال عمرها 15 عاما ضاعت من حياة الجزائريين من دون أن ينتعش اقتصادهم ومن دون أن يستعيدوا كرامتهم، ومن دون أن تستعيد الجزائر مكانتها بين الأمم لأنها عادت إلى أحضان فرنسا وفقدت سيادتها وعزتها وكرامتها التي ضحى من أجلها رجال لم يذكرهم الرئيس في رسالته بمناسبة يوم المجاهد حتى يختزل التضحية والنضال وحب الوطن في شخصه دون غيره!
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 24 أغسطس 2015