أتمنى أن أكون مخطئًا في تقديري للأمور وتحليلاتي للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الجزائر، وتكون توقعاتي لما ستؤول إليه الأمور خاطئة، وأتمنى أن يكون التفاؤل السائد في بعض الأوساط الرسمية صادقًا ويقوم على معطيات لا نعرفها، ولو أنني أشك في ذلك لأن كل المؤشرات تدل على أنهم يكذبون علينا كالمعتاد، وبأن الجزائر صارت مهملة، تعيش زمن الرداءة وتسير بقدرة قادر بعدما انتقلت من بلد يسير بالوكالة إلى بلد لا يديره أحد واجتمعت فيه كل السلطات في يد رجل واحد متعطش للتسلط وفاقد للشرعية والكفاءة والجدارة.
عندما أسمع بعض المصطلحات السياسية والاقتصادية المستعملة هذه الأيام من طرف بعض المسؤولين في الجزائر أصاب بالإغماء؛ إما لأنني لم أعد أفهم شيئًا، أو لأنهم يستغفلون الشعب ويتعمدون الكذب عليه، ويدركون بأنهم تمكنوا من شراء ذمم بعضه وتخويف بعضه الآخر بإمكانية تكرار ما يحدث في سوريا وليبيا والعراق، في وقت كنا ندعوهم إلى الاقتداء بتجارب ألمانيا وتركيا والسويد والبرازيل وماليزيا وغيرها من البلدان المتطورة.
الذين يتحكمون في جزائر اليوم يتحدثون عن دولة مدنية في شكل مملكة على الطريقة الجزائرية يتصرف فيها مستشار الرئيس نيابة عن الرئيس بدعم من عدد من المنتفعين ورجال المال وجهات أجنبية أمرت بتحطيم جهاز المخابرات، وتقزيم دور المؤسسة العسكرية وعديد مؤسسات الجمهورية التي لم يعد لها وجود رغم محاولات بعض الوزراء والمديرين إعطاء انطباع بوجود الدولة من خلال إطلاقهم تصريحات ونظريات ووعود لا يصدقها عاقل!
لقد وصل الأمر منذ أيام بوزير الصناعة والمناجم إلى التصريح بأن الجزائر لن تتأثر بتراجع أسعار النفط حتى لو بلغت 10 دولار للبرميل، وهو تصريح غريب يحمل الكثير من الاستغفال والعناد والتحدي لكل التحليلات والتوقعات وكل النظريات العلمية والسياسية والاقتصادية التي تجمع على أن تحقيق التنمية يتطلب المال والعلم والفكر والإرادة السياسية، وهي عوامل لم تعد تتوفر في جزائر اليوم التي تحولت ملكية شخصية لجماعة تحالفت مع مافيا المال، ومع فرنسا للانتقام من الشعب ومؤسسات الجيش.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بعدما بلغ الأمر أيضا بوزير السياحة إلى التصريح بأن التنمية لا تتحقق في زمن البحبوحة بل في زمن الشدة والظروف الصعبة، وكأنه يبرر إخفاقنا في بناء الدولة وإنتاج الثروة وتحقيق الرفاهية عندما كانت أسعار برميل النفط مرتفعة، ويوهمنا بأنه بإمكانه تحقيق التنمية والرفاهية من دون موارد مالية ومن دون حكم راشد، ويمكننا مثلا تحويل الجزائر إلى بلد سياحي بالديماغوجية والغوغائية والوعود الكاذبة كما فعل في كل القطاعات التي أشرف عليها.
مقابل هذه التصريحات المطمئنة والمتفائلة خرج إلينا الوزير الأول في لقائه مع خبراء اقتصاديين ليعلن بأن الجزائر تعيش أزمة، وكشف مشروع قانون المالية لسنة 2016 عن زيادات في أسعار الكهرباء والماء والمازوت، وفي رسوم خدمات الهاتف النقال والإنترنت وقسيمة السيارات، ومواد وخدمات أخرى ستثقل كاهل المواطن الذي سيدفع ثمن تداعيات الأزمة الناتجة عن سوء التسيير.
هي عينات لازدواجية الخطاب، ولتصريحات استفزازية وعنيدة تنم عن جهل فادح وإصرار على الذهاب بالوطن نحو الهاوية؛ صدرت عن مسؤولين كانوا ينسبون كل الإنجازات إلى “فخامة الرئيس” لما كان سعر البرميل يفوق 100 دولار، ولكن لما تراجع السعر راحوا يجتمعون بالولاة مؤخرا لتوريطهم وتحميلهم مسؤولية الإخفاق، وكأنهم يتمتعون بكل الصلاحيات وهم الذين كانوا يسيرون البلد فعلًا، أو كأنهم هم الذين تسببوا في التراجع الحاصل والتدهور المرتقب للأوضاع!
لقد كانوا يقولون لنا إن الرئيس يتمتع بكامل قواه العقلية والبدنية، ويفكر أفضل من 40 مليون جزائري، وهو الذي يقرر ويحكم، وكانوا يقولون لنا إن السعيد بوتفليقة هو مجرد مستشار لا يتدخل في شؤون المسؤولين ولا يسعى لخلافة شقيقه، وكانوا يقولون لنا إنهم سيخلصون البلد من التبعية للبترول، وسيبنون دولة القانون والمؤسسات، لكننا استفقنا على بلد من دون رئيس فعلي، يريد أن يكون فيه شقيقه هو الرئيس، واستفقنا على تبذير ألف مليار دولار من أموال الشعب، ورداءة في التفكير والتسيير، وبلد ينهار لأنه من دون إدارة راشدة وواعية، جرد فيه رئيس البلدية والوالي والمدير والوزير وحتى الجنرال من كل الصلاحيات، وخنقت فيه المبادرات والحريات النقابية والإعلامية.
مشكلتنا اليوم في رداءة من يحكمون الجزائر وحقدهم على كل من ينتقدهم، وإصرارهم على الانتقام من الشعب ومن مؤسسات الجيش، ومشكلتنا في ضعفنا وخوفنا وعدم قدرتنا على إسعاف شعب يتعرض للتحايل، وعدم قدرتنا على إنقاذ بلد يتعرض للخطر بسبب سوء التسيير والتخطيط من طرف جماعة استولت على الحكم بطريقة غير شرعية، وجعلت من مؤسسات الدولة مجرد هياكل من دون روح ومن دون صلاحيات ومن دون رجال أكفاء في سيناريو نشك بأنه مقصود لتحطيم الوطن ومؤسسات الوطن ورجال الوطن وليس لبناء الدولة المدنية كما يشاع!
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 28 سبتمبر 2015