hafid derradji

سلطة ضعيفة !

مخطئ من يعتقد بأن ما حدث ويحدث في غرداية هو فتنة طائفية بين الإباضية والمالكية، ومخطئ من يعتقد بأنها مؤامرة خارجية يراد منها تقسيم الجزائر كما يشاع، ومخطئ أيضًا من يعتقد بأن سبب الاقتتال سياسي تقف وراءه أطراف تريد تحقيق أغراض سياسية، كما أن اختزال المشكلة في كونها أمنية تقتضي حلًّا أمنيًّا هو هروب إلى الأمام، وتهرب من تحمل السلطة لمسؤولياتها في الحفاظ على الاستقرار والطمأنينة، وضمان النمو والرفاهية لأبنائنا في المنطقة.

ما جرى في غرداية من اقتتال وحرق وتخريب ودمار لم يسبق له مثيل يؤكد خللًا فادحًا في منظومة القيم والأخلاق، وكان متوقعًا منذ مدة لأن السلطة فشلت في احتواء المشاكل وتقدير الأمور، وعجزت عن معالجة مشاكل أبنائها، مثلما فشلت وعجزت بعض مؤسسات الدولة في الحفاظ على الأمن وحماية مواطنيها والقيام بواجباتها في وقت لم يتردد بعض المسؤولين في إطلاق تصريحات كاذبة بأن الدولة قوية والرئيس واقف ومؤسساتها تسير على ما يرام، لكن الحقيقة أن أهم مؤسسات الدولة اختطفت، أو انتزع منها القرار، أو صارت مجرد هياكل فارغة من دون روح وصلاحيات، لا تتحرك إلا بالإيعاز بواسطة “التيلفون” بعيدًا عن القوانين.

كما أن الاستخفاف بخطورة الوضع على الرغم من تكرار أعمال العنف والحرق والقتل منذ مدة يدل على إفلاس سياسي وفكري رهيب للسلطة، ولمختلف الهيئات والسلطات السياسية والتنفيذية والتشريعية التي انهارت تمامًا منذ صارت كلها بين يدي شقيق الرئيس ومستشاره الخاص الذي يتقن فن التحايل والاستغفال والاستقواء بالمنتفعين وأصحاب المال، ولا يتقن فن مواجهة مشاكل الأمة وتسيير أمور دولة بحجم الجزائر.

هذا الضعف والإفلاس أدّيا إلى إفلاس آخر في ردة الفعل وإيجاد الحلول من خلال قرار الرئيس بتكليف قائد الناحية العسكرية الرابعة بتسيير أمور المنطقة وإعادة الأمن والاستقرار فيها، والذي يختزل فيه الرئيس المشكلة في جانبها الأمني، ويورط إثرها الجيش في الشؤون العامة بعدما راح يتلاعب بالمؤسسة ومصالحها منذ مدة، ويدفع بها إلى التخلي عن مبدأ الحياد، ويضعفها في الداخل والخارج للانتقام منها، ولكي يتسنى له ولمحيطه التصرف في شؤون الدولة كما يحلو لهم.

قرار إقحام الجيش يحمل كذلك تناقضًا مع التوجهات العلنية للرئيس ومحيطه الذي يدعو في كل مناسبة إلى الانتقال نحو الدولة المدنية التي يبقى فيها الجيش خلف أسوار الثكنات، يلتزم فيها بمهامه الدستورية في حماية وحدة التراب ووحدة الأمة، ولكن الرئيس نفسه والمحيطين به أيضاً لم يتوانوا في توريط الجيش في غرداية، بعدما تسببوا أيضًا في إضعاف باقي الهيئات والمؤسسات بوزرائها ومديريها، وبعدما اختزلوا كل الجزائر في شخص رجل واحد لم ينتخبه الشعب يدير ويقرر في مكان الرئيس من خلف الكواليس.

صحيح أن تسيير شؤون الجزائر يحتاج إلى رئيس واقف ومؤسسات قوية وقوانين صارمة، وتوافق سياسي وانسجام اجتماعي، وصحيح أن مدينة غرداية في حاجة إلى إجراءات أمنية خاصة، وإجراءات قانونية وقضائية صارمة لحماية أمن المواطنين وممتلكاتهم، ولكن كان يمكن تحقيق ذلك منذ بدأت الأحداث لو لم تكن السلطة ضعيفة، ومؤسساتها ضعيفة ومشتتة، وكان يمكن تحقيق ذلك من دون الاستعانة بالجيش لكي يفرض حالة الطوارئ أو حضر التجوال، ويعوض الفراغ الدستوري والمؤسساتي الذي تشهده الجزائر.

غرداية لم تعد تكفيها رسائل التعاطف والغزل من الرئيس، ولم تعد في حاجة فقط إلى رجال أمن ودرك يحفظون أمن العباد والممتلكات، ولا إلى تطبيق القانون على من ارتكبوا جرائم القتل والحرق والتخريب، لأن ذلك ضروري وعادي في دولة تحترم نفسها، ولكن غرداية صارت في  حاجة إلى فهم لخصوصياتها وطبيعة مشاكلها، وفي حاجة إلى تحاور وتشاور مع أهلها لمعرفة همومهم ومشاكلهم وحاجياتهم، ومحاولة فهم الجيل الصاعد من أبناء المنطقة، وفي حاجة إلى توعية مستمرة وتنمية محلية لتجنب تكرار المأساة بعيدًا عن الحسابات السياسية التي تحسبها السلطة والموالاة وبعض الأوساط المعارضة التي كانت ردود فعلها محتشمة فيما غابت أو غيبت ردود فعل المؤسسات المنتخبة، ومنظمات المجتمع المدني على التقصير الحاصل، وعلى كل الجرائم المرتكبة في حق الجزائر والجزائريين.

حفيظ دراجي

نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 13 جويلية 2015

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل