hafid derradji

سلطة تستفز رجالها وشعبها!

لأول مرة منذ مدة أعجز عن الكتابة في شؤون بلدي بعد اطلاعي على رد فعل وزير الاتصال حميد غرين على رسالة الجنرال التوفيق، يتهمه فيها بالتحريض على الفوضى، ويلقنه دروسا  في الوطنية والالتزام والأخلاقيات، لذلك سأحتفظ  هذه المرة براي في موضوع رسالة الجنرال المتقاعد وردود الفعل لأنها مجرد شهادة كان سيدلي بها الرجل للمحكمة العسكرية لو تم استدعائه كشاهد في قضية الجنرال حسان، فتم الرد عليها عن طريق وزير الاتصال بشكل مستفز وغير لائق، على غرار سلسلة من الاستفزازات التي نسمعها ونقرأها ونشاهدها!

في حياتي لم أرَ ولم أسمع عن سلطة تستفز وتبتز رجالها وشعبها وتدفع بهم إلى اليأس والتذمر والانفجار مثلما تفعل السلطة في الجزائر بخطاباتها وممارساتها وتهديداتها التي بلغت درجة لم يسبق لها مثيل بعد تمرير قانون مالية يحمل مواد مستفزة تمهد لبيع الجزائر وتثقل جيب المواطن دون أدنى اعتبار لمشاعرنا، وكأننا عبيد وهم أسياد، أو كأنهم ورثوا هذا الوطن عن أبائهم يتحكمون ويتصرفون فيه وكأنها ممتلكاتهم الخاصة!

الاستفزاز اقترن هذه الأيام بالابتزاز والتهديد والتخويف تجاه الشعب والمعارضة وتجاه الصحافة المستقلة، وبلغ درجة لم تعد تطاق، وقد تؤدي إلى الانسداد السياسي ومزيد من التراجع الاقتصادي وربما إلى انفجار الوضع الاجتماعي بتواطؤ مع بعض الأحزاب والجمعيات والمنظمات التي تقاسمت المناصب والمكاسب، وتحالفت مع رجال المال والأعمال، ومع الرداءة والجهل ضد الكفاءة والذكاء ومصالح الشعب والوطن!

عندما يتحدى “زعيم” الآفلان كل الطبقة السياسية ويتهجم على الرجال والنساء، ويعلن بأن الحكومة هي حكومة الآفلان، والأغلبية البرلمانية للآفلان، والرئيس هو رئيس الآفلان، وبالتالي فإن قانون المالية ستتم المصادقة عليه كما هو؛ ففي ذلك استفزاز وتحد كبير لكل الجزائريين، وإعلان صريح بأن الجزائر مملكتهم ونحن عبيد عندهم، ومن يعارضهم سيتعرض لحملة تشويه وتخوين، وربما تلفق له تهم ويسجن بعد ذلك!

عندما تصوت الموالاة على قانون مالية يتضمن زيادات في أسعار المواد الأولية والسلع والخدمات، وقانون يزيد من تغول رجال المال، ويبيع ثرواتنا بثمن بخص للأجانب، فإن في ذلك إصرار على رهن مستقبل الجزائريين، وإعلان حرب على الشعب والدولة، ويحمل بوادر حلول أيام عصيبة ستعيشها الجزائر وشعبها مطلع السنة القادمة!

عندما يمارس وزير المالية التهديد ضد خبير اقتصادي عبر عن رأيه في قانون المالية، وعندما يعلن الوزير عمار غول بكل وقاحة ومن دون خجل بأنه مع الزيادة في الأسعار التي أقرتها الحكومة ويتجند بعض رؤساء الأحزاب والمجتمع المدني والمنظمات الجماهيرية، وكل المنتفعين وأرباب المال لدعم قانون “العار” فإن في ذلك تحد كبير لمشاعر الجزائريين سيؤدي إلى مزيد من التذمر والاحتقان.

عندما يضغط وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب على المتعاملين الاقتصاديين الخواص، ويدعوهم إلى عدم التعامل مع موقع كل شيء عن الجزائر وحرمانه من الإشهار، وعندما يصل الأمر بوزير الاتصال إلى حد ابتزاز الصحافة المستقلة وحرمانها من الإشهار لأنها تنتقد منظومة الفساد؛ فإن في ذلك خطر على التعددية والحرية والديموقراطية، ودليل على أن السلطة انتقلت إلى السرعة القصوى في التضييق على حرية الرأي؛ استعداداً لإجراءات وقرارات أخرى تمهد لاتخاذها لاحقا!

عندما يعلن رئيس منتدى رجال الأعمال عن فتح رأس مال شركة سونلغاز للاستثمارات الخاصة قبل أن تعلن الحكومة عن ذلك، ويعلن عن تحفيزات جديدة لزملائه من رجال المال، فإن في ذلك دلالة على أنه صار رئيسا لحكومة موازية، لا يتردد في ممارسة السياسة بانتقاده واحتقاره لشخصيات وطنية ومجاهدين بسبب مطالبتهم بلقاء مع الرئيس، ولا يتردد في الاعلان عن استثمارات ضخمة للجزائر في مدينة ” ديترويت” الأمريكية عوض استثمارها في مدينة معسكر ليجعلوا منها “كاليفورنيا” الجزائر مثلما وعدنا به أنصار الرئيس في الحملة الانتخابية.

ما يقوله ويفعله كل من رئيس منتدى رجال الأعمال ووزير الصناعة ووزير السياحة وزعيم الآفلان ومن معهم من المنتفعين، لا يمكن أن يكون لمصلحة الجزائر، ولا يمكن أن يكون سوى لمصلحة فرنسا التي تجني ثمار دعمها للعهدة الرابعة، ويستمدون منها قوتهم وجبروتهم، ما يقودنا إلى الاعتقاد بأننا أمام مافيا حقيقية تمارس كل أشكال الاستفزاز والابتزاز، ولن تتردد في استعمال وسائل أخرى لتركيع الشعب وتحويل الجمهورية إلى مملكة!

أما عندما يصبح مستشار الرئيس وشقيقه هو الرئيس الفعلي للبلاد، ويختطف الرئيس، ويستحوذ على كل صلاحياته، ويهين الرجال وينتقم من رجال المخابرات الذين أشرفوا على التحقيقات في فضائح الفساد؛ فإننا نصبح أمام اختطاف فعلي للدولة ومؤسساتها من طرف عصابة لا يهمها سوى البقاء في السلطة حتى ولو كلفها ذلك بيع الجزائر للقوى العظمى لإسكاتها، وشراء ذمم نصف الشعب، وسجن النصف الآخر!

عندما يتم اختطاف الرئيس وعزله عن شعبه في هذه الظروف يصبح من حقنا، بل من واجبنا أن نعلن الحداد، ونبكي على ضياع وطن وضياع مستقبل أبنائه، ومن واجبنا أن نتحسر على تضحيات أبائنا وأجدادنا عبر التاريخ، لأننا وجدنا أنفسنا أمام سلطة من دون دولة، ودولة من دون رئيس ومن دون مؤسسات، ومؤسسات من دون صلاحيات، وموالاة متواطئة ضد الشعب، ومعارضة محاصرة، وشعب مغلوب على أمره ندفع به إلى الانتحار أو الموت في عرض البحار، أو الانفجار في وجه من يقودون البلد إلى الهاوية، حتى ننقذ الجزائر من أنانيتهم!

حفيظ دراجي

نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 7 ديسمبر 2015

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل