hafid derradji

بين المنتفعين والخلاطين والخوافين!

منذ فترة قصيرة لم يعد الجزائريون يصنفون حسب انتماءاتهم الجهوية أو الحزبية والفكرية كما كانوا زمان، ولم نعد نتحدث عن الشاوية والقبائل، وناس الشرق والغرب، ولا عن الإسلاميين واليساريين والرأسماليين، بل برزت مصطلحات جديدة يتم على أساسها تصنيف الناس، وصار المجتمع يتشكل في تقدير هؤلاء وأولئك من منتفعين ومعارضين وصامتين، في حين ذهبت تصنيفات أخرى إلى وصفهم بالشياتين والخلاطين والخوافين

لقد تعددت الأسماء والأوصاف ولكن التصنيف يبقى بعيدا تماما عن المعايير السياسية والفكرية المعمول بها في العالم، ويعبر عن تحولات غريبة يشهدها المجتمع، وتزيد من حدة الاختلالات والأحقاد والضغائن بين فئات اجتماعية ما يفرقها اليوم أكثر مما يجمعها زاد من حدتها تراجع القيم والأخلاق وطغيان الجانب المادي على خيارات الناس.

مع احترامي لكل الصادقين من ذوي النيات الحسنة الذين يساندون شخصا أو حزبا أو فئة؛ فإن الموالين في القاموس الجديد للجزائريين ليسوا أولئك الذين يؤيدون فكرا سياسيا وتوجها اقتصاديا عن قناعة واقتناع، بل هم فئة من المنتفعين والانتهازيين الذين يستفيدون من توزيع الريع، ولا يترددون في تغيير قناعاتهم وتوجهاتهم عندما تكون مصالحهم مهددة، وتتغير قبلتهم بمجرد موت الملك ليهتفوا بحياة الملك الجديد استنادا للمقولة المعروفة “مات المالك، عاش الملك”

من يطلق عليهم صفة الخلاطين هم أولئك المعارضين للمنظومة القائمة والذين يفضحون ممارساتها وينددون بتصرفاتها سواء عن قناعة أو من باب الانتقام من منظومة أقصتهم وأضرت بمصالحهم سواء كانت مادية أو معنوية. هذه الفئة من الناس ترفع شعار التغيير، وتتعرض للتخوين في كل مناسبة من طرف الموالين والمنتفعين الذين لا يترددون في اعتبار كل من يختلف معهم بمثابة عميل لأطراف خارجية تهدد استقرار الوطن!

أما جماعة الخوافين في التصنيف الحديث فهي تتشكل في نظر المتتبعين من أعداد كبيرة من الجزائريين الذين يخافون بصدق على الوطن من الانفجار، وأعداد أخرى تخاف على مصالحها ومكتسباتها من الضياع في حال تغيرت المنظومة، وفئة منهم تضم الخائفين من ردة فعل السلطة في حال الجهر بقناعاتهم وخياراتهم، أو في حال تغيرت الأوضاع وصعدت إلى السلطة جماعة أخرى غير التي تعودوا عليها!

هذه الفئة تصنف أيضا ضمن خانة الأغلبية الصامتة، وهي فعلا تمثل الأغلبية في المجتمع وتفضل الصمت والترقب وعدم الجهر بمواقفها، وربما لم تجد الفضاء الذي يمكنها من التعبير عن أرائها ومواقفها لأنها من دون انتماءات حزبية ولم تنخرط في أي مشروع سياسي.

مهما كانت قناعات الجزائريين وانتماءاتهم فإن تصنيفهم بالشكل الحاصل اليوم فيه الكثير من الإساءة لذكائهم، ويحمل دلالات تخلف فكري وحضاري في مجتمع لم يعد يقبل بالديموقراطية لأنها مزيفة في نظر بعضهم، ولم يعد يتقبل مبدأ الاختلاف بين مكوناته لأنه في نظر بعضهم الآخر قد يؤدي إلى الاحتكاك ويعطل مسار المجتمع الذي لم ينضج بعد، وعليه أن يستسلم للرجل الواحد والفكر الواحد والمنهج الواحد كما تعتقد فئة لا يستهان بها من الجزائريين!

للأسف هذا هو حالنا اليوم، وقد كان أفضل البارحة لما كنا نصنف حسب أفكارنا وقناعاتنا، وليس بسبب ولائنا أو معارضتنا، وللأسف فإن السلطة المطلقة أفرزت حقدا دفينا وكراهية شديدة، ومشاعر إقصاء لفئات كثيرة مما ينذر بمخاطر كبيرة على مجتمع لايزال في حاجة إلى توازنات، وفي حاجة إلى كثير من الاحترام لبعضنا بعض على أساس أفكارنا وقناعاتنا، وليس على أساس موالاتنا أو معارضتنا لمشروع أو توجه أو شخص بعينه!

حفيظ دراجي

نشر في يومية الشروق بتاريخ 23 أغسطس 2015

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل