يختلف الجزائريون حول تقييم فترة حكم الرئيس بوتفليقة التي بلغت الوقت الإضافي وقد تصل إلى سلسلة ضربات الترجيح! وربما تتوقف قبل ذلك بسبب شجار يحدث بين اللاعبين، أو بسبب اجتياح الجمهور لأرضية الميدان احتجاجا على الأداء أو النتيجة!
في كل الحالات فإن المتعة صارت مفقودة والمباراة صارت مملة، والأداء رديئا، والروح الرياضية غائبة، لذلك كانت وستبقى فترة حكم بوتفليقة الأكثر إثارة للجدل منذ الاستقلال، وتميزت بإخفاقات متعددة في بناء الدولة وتحقيق التنمية الشاملة رغم مواردنا وقدراتنا وثرواتنا، حتى وجدنا أنفسنا اليوم أمام متاعب ومشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية متعددة الجوانب كشفت عن فشل ذريع في إدارة شؤون الدولة.
كثيرون يعتقدون بأن بوتفليقة يتحمل لوحده مسؤولية الانسداد السياسي والتراجع الاقتصادي والاجتماعي والفكري الحاصل اليوم، فيما يعتقد بعضهم بأن الرئيس كان ضحية لنرجسيته ونزعته الانتقامية، وضحية لطبيعة شخصيته التسلطية وغروره وتعاليه، واعتماده سياسة الولاءات على حساب الكفاءات فأحاط نفسه بالمطبلين والمنتفعين والانتهازيين الذين نهبوا الخيرات وأقصوا الكفاءات، وتسببوا في كل المآسي التي نعيشها اليوم!
الذين يحملون الرئيس مسؤولية الأزمات التي نعيشها يستندون إلى مسؤوليته السياسية والدستورية والأخلاقية كرئيس جمهورية استحوذ على كل السلطات، وتوفرت لديه كل الإمكانات المادية لقيادة البلد نحو التنمية الشاملة، لكنه أخفق سياسيا في تحقيق الانسجام وأخفق اقتصاديا في تحقيق التنمية التي بقيت مرتبطة بأسعار النفط، وأخفق في الحفاظ على التوازنات الجهوية عندما راح يعتمد على رجال جهة واحدة من الوطن، وأقصى جهات أخرى وتخلى عن كفاءات كثيرة لصالح جيش من الموالين الفاشلين!
بوتفليقة في تقدير هؤلاء دمر الدولة وكسر المؤسسات واختزل السلطة في شخصه دون غيره، ووضع ثقته العمياء في شقيقه ومستشاره الخاص الذي كان سبب الوعكة الصحية التي تعرض لها، وكان سبب كل المتاعب التي ألمت بالرئيس وبالدولة التي وقعت بين أيدي محيط أبعد بوتفليقة عن شعبه وعزله عن العالم الخارجي، وراح يتخذ باسمه قرارات استراتيجية، ويكذب على الشعب، ويعتقد بأن الشعب يصدقه!
أما من يعتبرون الرئيس ضحية وليس مسؤولا فيستندون إلى تلك التراكمات التاريخية والسياسية والجهوية والأمنية التي ورثها بوتفليقة عن سابقيه ولم يقدر على التخلص منها لأنه ربما كان طرفا فيها؛ مما أدى به إلى الانتقام وتصفية حساباته مع أولئك الذين وقفوا ضد خلافته لبومدين سنة 79 وتسببوا في إقصائه من اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير بعد ذلك، وضد من عارضوه طيلة عهداته الأربع.
كثير من الجزائريين يعتقدون بأن بوتفليقة وقع أيضا ضحية محيطه الذي جعل منه رسولا وأسطورة، وراح يختزل الوطن في شخصه ويقول عنه إنه صانع السلم والاستقرار والتنمية، وبفضله فخامته فقط تحقق كل شيء في هذا الوطن وبأنه يفكر أفضل من 40 مليون جزائري ويتابع كل صغيرة وكبيرة، حتى اعتقد الرئيس بأن الأمر صحيح، وبأن هؤلاء وأولئك صادقون في كلامهم ومشاعرهم إلى أن تبين له بأنهم كلهم منافقون.
أما الذين يعرفون خبايا الأمور فيعتقدون بأن الرئيس راح ضحية ممارسات شقيقه ومحيطه الذي كان بمثابة العين التي يرى بها والأذن التي يسمع بها، وكان السبب في اعتقاد الرئيس بأنه كان على صواب خاصة وأنه استمد قوته من ضعف المحيطين به وعدم قدرتهم على مواجهته بمخاطر قراراته وخياراته وسياساته المتعاقبة التي عمقت الاحتقان السياسي والتذمر الاجتماعي والتراجع الاقتصادي والأخلاقي.
وبعضهم يعتقد أن بوتفليقة راح ضحية شعب تحول إلى جزء من اللعبة، نال نصيبه من الريع، وانتخب رئيساً مقعداً على كرسي متحرك بعدما سكت عن تعديل الدستور سنة 2008، وسكت عن تحطيم المؤسسات وتغول أصحاب المال على حساب الكفاءات، وشعب منزوع الإرادة، استقال كلية من المشهد ولم يعد هو السيد وهو الذي يقرر!
وهناك من الجزائريين من يعتقدون بأنه من السابق لأوانه تقييم فترة حكم بوتفليقة لأن المشهد معقد، ويجب ترك ذلك للشعب وللمؤرخين والسياسيين بعد فترة طويلة، لكن الأكيد أن التاريخ سيسجل بأن بوتفليقة كان مسؤولا وضحية في الوقت نفسه، مسؤول عن خياراته وضحية محيطه الذي اختاره قبل أن ينقلب عليه ويختطف الدولة ويوقع الشعب رهينة بين يديه!
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 30 نوفمبر 2015