لا أحد من الجزائريين يشكك في شعبية الرئيس بوتفليقة منذ مجيئه إلى الحكم سنة 1999، ولا في الاحترام الذي يكنه له الكثير من أبناء شعبه، ولا أحد يشك في فوزه بالاستحقاقات الأربعة التي خاضها ولو بنسب كانت تتضاءل كل مرة في عدد الناخبين وأعداد المصوتين له، ولكن بالمقابل أيضا لا أحد يشكك في تراجع هذه الشعبية مع مرور الوقت ، بعدما تبين بأن الرجل لم يحترم يوما هذا الشعب ولم يحترم رجال الوطن ولم يفِ بكامل وعوده، بل احتقر مؤيديه ومعارضيه على حد سواء وأهان مؤسسات الجمهورية وكأنه جاء لينتقم من شعب ونظام لم ينصبه رئيسا بعد وفاة بومدين، وينتقم من أولئك الذين اتهموه بتحويل أموال الدولة سنوات السبعينيات ليجعل من الكثير منهم سارقين أو متواطئين وموالين لمنظومة فاشلة !
ما يحدث في عين صالح منذ أكثر من شهرين دون أن يحرك الرئيس ساكنا فيه الكثير من الاحتقار لأبناء منطقة وقفوا إلى جانب الرئيس في كل الاستحقاقات، وكانوا مخلصين وأوفياء للوطن، وفيه الكثير من التعالي والتكبر وقلة الاحترام تجاه الشعب. وما يحدث في قطاع التربية من تجاذبات واضطرابات فيه الكثير من اللامبالاة بالأساتذة والتلاميذ وأوليائهم رغم أن الاضطرابات هي الأكبر في تاريخ الجزائر وقد مست آالاف الموظفين وملايين التلاميذ الذين صاروا مهددين بسنة سوداء لا بيضاء.
ما يحدث من تعفن للأوضاع في المشهد السياسي ساهم في تفاقمه الرئيس ومحيطه من المنتفعين الذين أقصوا كل الرجال الذين كانوا يشمون فيهم رائحة النخوة والكفاءة، وحاصروا كل الساسة والجمعيات والأحزاب المعارضة، وعبثوا بحزب الافالان بإيعاز من رئيسه الذي بقي يتفرج على عملية اختطاف جبهة التحرير وإغراقها في أزمة شرعية لم يسبق لها مثيل، وهو دليل أخر على قلة احترام تجاه حزب يرأسه بوتفليقة شرفيا.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل وصل إلى حد استدراج الأفافاس أقدم حزب معارض نحو قيادة مبادرة سياسية فشلت في مهدها وأساءت إلى الحزب العتيد وإلى أحزاب المعارضة والممارسة السياسية ككل، وأساءت بطريقة غير مباشرة للزعيم أيت أحمد.
الرئيس أهان كذلك كل الرجال الذين وقفوا معه أكثر من الذين وقفوا ضده وأهان الكثير من رؤساء الحكومات والوزراء والسفراء والمدراء بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الجزائر فكان يعينهم ويقيلهم دون أن يستقبلهم أو يحمل عناء رفع سماعة التلفون للحديث إليهم، وكان دائما ينتقم شر انتقام من كل من يبدي طموحات سياسية وكل من لا يذكر أفضال بوتفليقة عليه أو يشم فيه رائحة الرجولة.
الرئيس جعل من المؤسسة العسكرية همه الأول والأخير ليتخلص من عقدة لازمته طيلة حكمه، ويتخلص من فكرة أن العسكر هم من جاؤوا به إلى سدة الحكم فحاول عديد المرات إهانة بعض القادة والإساءة إليهم إرضاء لغريزته ونرجسيته، وحماية لمحيطه من تحقيقات رجال المخابرات في قضايا الفساد التي ميزت عهد بوتفليقة فجاءت تلك الهيكلة التي أعلن عنها السنة الماضية في جهاز المخابرات قبل أن يتراجع عنها بعد ذلك بفترة وجيزة.
الرئيس قام بتعديل الدستور ثلاث مرات في ظرف عشر سنوات وجعل من مؤسسات الجمهورية هياكل من دون روح، وراح يسير شؤون البلد بعيدا عن هذه المؤسسات وقوانين الجمهورية، ويتستر على كل الذين نهبوا أموال الجزائر ويحميهم، ويسكت عن كل الإهانات التي تعرض لها الرجال والمؤسسات والشعب بكل أطيافه وكأنه انتقام مع الجزائر والجزائريين أو تصفية حسابات سابقة مع أطراف معينة.
بوتفليقة لم يكتفي بكل هذا بل بلغ به الأمر إلى اختزال كل الجزائر في شخصه فلم يسبق له في خطاباته ورسائله وأن ثمن إنجازا فكريا أو علميا أو ثقافيا لشخص آخر أوهيأة أخرى حتى يبقى وحده من يستحق الثناء والعرفان والتقدير دون غيره من الجزائريين، وجعل كل المسؤولين ينسبون إلى فخامته كل إنجاز يتحقق في الجزائر بما في ذلك تأهل منتخب الكرة الى المونديال!
الرئيس بهذا الشكل عوض أن يكون رمزا للسيادة والوحدة الوطنية سيصبح مصدر تهديد للاستقرار وللوحدة الوطنية بتواطؤه أو سكوته على كل الإهانات التي يتعرض لها الرجال والمؤسسات، ويعمق من الأزمة السياسية والأخلاقية، ويزيد من الأحقاد بين أبناء البلد الواحد، وينعكس ذلك سلبا على المعنويات وكل مجالات الحياة التي صارت تنذر بمخاطر وتداعيات سياسية واجتماعية وفكرية نحن في غنى عنها.
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 7 مارس 2015