صحيح أن الإعلام الحر في الجزائر لم يعد في إمكانه تحريك سواكن الأمة، ولم يعد في إمكانه التأثير على الأحداث وصناعة الرأي، والإطاحة برؤوس الفساد مثلما يحدث في بقية دول العالم، وصحيح أن السلطة تمارس التضييق المباشر وغير المباشر على بعض الصحف والقنوات التلفزيونية المستقلة، وتواصل ممارسة كل أشكال التحايل علينا في سبيل تنفيذ مخططاتها، ولكن ذلك لا يعني أنها كسبت الرهان ويمكنها أن تفعل ما تشاء بالدولة ومؤسساتها، وتفعل ما تريد بالشعب؛ لأن الإعلام الحر لن يستعبد والشعب الجزائري لن ييأس ولن يفقد الأمل في غد أفضل، كما أن الرجال الأحرار سيواصلون التنديد بالممارسات الدنيئة وفضحها.
لقد صار الوضع مخيفا ومقلقًا، وبلغ درجة كبيرة من التدهور والتراجع في ظل صمت محير يدل على خلل فادح في المنظومة الإعلامية وفي أوساط الشعب والمعارضة وجمعيات المجتمع المدني، في وقت بلغت ممارسات المتحايلين علينا درجة لا تطاق، لكن ذلك لن يمنع الأحرار داخل الوطن وخارجه، ومن داخل والمنظومة خارجها كذلك، من مقاومة استراتيجية التخويف والتخوين المنتهجة ضد الصحافة وضد فئات كبيرة من هذا الشعب لتنفيذ مخططات صارت مفضوحة ويدركها كل أبناء الوطن.
لكن مهما كان التضييق، ومهما كانت التبريرات؛ فإن بعض وسائل الإعلام العمومية والخاصة تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية استغفال الشعب وتسويق كل أنواع الكذب والوهم، بسبب عدم قدرتها على ممارسة سلطتها “الرابعة” كاملة، وعدم قدرتها على التأثير على السلطة والمعارضة والرأي العام على حد سواء. إلى درجة تحولت فضائح قضايا الفساد وكوارث سوء التسيير التي تتناقلها يوميًّا مجرد متفرقات عادية يتعايش معها المجتمع وكأنها أمر محتوم.
الشعب من جهته يتحمل مسؤولية ما يعانيه وما يحدث وسيحدث للوطن، وعليه أن يستعد لتحمل تبعات لا مبالاته وصمته واستقالته التي أفرزت مجتمعًا غريب الأطوار يعيش على التحايل وتوزيع الريع الذي ستجف منابعه لا محال بعد تراجع أسعار البترول وتراجع المداخيل، وبالتالي تراجع الحكومة عن كثير من الاستثمارات والمشاريع التنموية التي وعدت بها شعبها خلال الحملة الانتخابية للعهدة الرابعة.
أما المسؤولية الكبرى فتتحملها المنظومة القائمة التي ترعى الفساد وتحميه، وتشجع الرداءة وتغطي على الفاشلين، وتتواطأ مع أصحاب المال، وتقصي كل من تشم فيهم رائحة الرجولة والنظافة والكفاءة، منظومة كاذبة وعدت بأن تجعل من مدينة معسكر كاليفورنيا الجزائر، ووعدت بإنعاش الاقتصاد الوطني، ومحاربة الفساد وتشجيع الكفاءات، واستعادة مكانة الجزائر بين الأمم، لكنها لم تفعل كل هذا؛ بل تفعل ما تشاء بمؤسسات البلد وبالرجال، لكننا سنواصل قول ما يجب قوله كإعلاميين أحرار غيورين على وطنهم، وسنقف بدافع الواجب المهني والأخلاقي بالمرصاد لكل مخططات استغباء الشعب ومصادرة حقه في العيش الكريم.
حفيظ دراجي
نشر في يومية الشروق بتاريخ 7 جوان 2015