للمرة الألف نصرخ في وجوهكم بأعلى أصواتنا لنقول لكم “ارحلوا من فضلكم” قبل فوات الأوان لأنكم فشلتم في تنفيذ وعودكم، ولأننا سئمنا منكم، ولم نعد نثق فيكم، ولم يعد لديكم القدرة على تسيير شؤون الوطن بعدما ارتبكتم بمجرد انخفاض أسعار النفط وتراجع المداخيل التي كنتم تشترون بها السلم الاجتماعي وذمم الجزائريين.
ارحلوا من فضلكم قبل أن تقضوا على ما تبقى من هذه الجزائر، وترهنوا مستقبل الأجيال الصاعدة! لأن بقاءكم يستفزنا وسيقودنا إلى طريق مسدود! ارحلوا لأنكم لم تقدروا على صيانة الأمانة وبناء الوطن الذي وعدتم به! وارحلوا رأفة بهذا الشعب الذي يستحق رجالًا أفضل منكم يقدرونه ويخدمونه ولا يخدعونه ولا يتحايلون عليه.
ارحلوا لأنكم رهنتم مستقبل الوطن بسعر برميل النفط الذي سينفجر في وجوهنا قريبًا بعدما أخفقتم في استثمار الموارد والأموال، وفشلتم في خلق الثروة، بل نهبتم نصفها وبذرتم نصفها الآخر، ولما ضاقت بكم السبل وبدأت تتهاوى الأسعار ارتبكتم واختفيتم عن الأنظار، وعدتم إلى الشعب تدعونه إلى التقشف والاستعداد لشد الحزام، ورحتم تستنجدون بأصحاب المال الفاسد وتدعونهم لتبييض أموالهم لكنهم رفضوا لأنهم فقدوا بدورهم ثقتهم فيكم!
ارحلوا لأننا صرنا نشك في “جزائريتكم” بعدما أفسدتم الأخلاق ونشرتم الفتنة وخدعتم الشعب بشعارات الاستقرار والاستمرارية والأمن، وحصدنا الفساد والنهب وسوء التسيير، والآفاق المسدودة بسبب خياراتكم السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أنتجت مجتمعًا مفلسًا فكريًّا وأخلاقيًّا، وأنتجت دولة يرأسها رجل مختطف لا نعرف مكانه، ولا يعرف ما يحدث لشعبه بعدما سلم أمره لشقيقه ومحيطه الذي لا يشبع ولا ينفع، ولا يمكنه أن يبني دولة لأنه لا يتمتع بثقافة الدولة.
ارحلوا لأنكم زرعتم الحقد والكراهية واليأس في نفوس الجزائريين الذين لجأوا إلى الانتحار والغرق في أعماق البحار، وصاروا يلهثون وراء المادة والربح السهل، واستسلموا لليأس والفشل، ويريدونهم أن يستسلموا “للرجل المعجزة” ومن معه من مافيا المال التي راحت تشتري بدورها كل شيء، وتسعى حتى لشراء ذمم بعض قادة الجيش وزرع الفتنة في أوساطهم في سيناريو يهدد وحدة المؤسسة العسكرية وانسجامها الذي صار مهددًا بالاختلال في كل وقت.
ارحلوا لأن الجزائر صارت أكبر منكم، ولا تستحقون هذا الشعب، ولا هذا الوطن، ولم يعد في إمكانكم تسيير واحدة من بلديات الجزائر النائية لأنكم رديئون وفاشلون ومخادعون، ولم تقدروا على بناء الدولة، بل حطمتم ما بقي منها انتقامًا من الشعب الذي كان وفيًّا وملتزمًا رغم افتقادكم للمشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، واكتفائكم بمشروع واحد يقوم على التخطيط لكيفية البقاء في السلطة بدعم من فرنسا التي عادت لاحتلال الجزائر عن طريقكم بعد أكثر من 50 عامًا من تحريرها.
كنتم تقولون إن بوتفليقة هو أسطورة ومعجزة، وهو ضامن الاستقرار لهذا الوطن، وبفضله تحقق كل شيء في هذه الجزائر، ولكن اتضح بأن أسعار النفط هي المعجزة التي كانت تضمن الاستقرار، واتضح بأن شقيق الرئيس ومن معه من مافيا المال الفاسد يهددون استقرار الوطن بعدما اختطفوا الرئيس، وأهانوا الرجال، وكسروا مؤسسات الجمهورية التي صارت كلها تأتمر بأمر رجل واحد يريد أن يكون هو الرئيس والوزير والسفير والمدير، وهو الجنرال وقائد الجيش، بل يريد أن يكون الملك من دون أن يظهر لنا الوثائق التي تتثبت ملكيته لهذا الوطن.
كنتم تقولون أيضًا إن الشعب غير واع ولم ينضج ولا يمكنه تقرير مصيره لوحده، لكن اتضح بأنكم لستم في مستوى نضجه ووعيه، ولا في مستوى صبره والتزامه، وكنتم تقولون إن المشكلة في المؤسسة العسكرية التي تجاوزت صلاحياتها وفي رجالها الفاسدين، لكن تبين بأنهم ملتزمون يحترمون قرارات الرئيس وخيارات الشعب وباقي المؤسسات، وتبين من تحقيقات جهاز المخابرات بأن فضائح الفساد كانت من صنع محيط الرئيس الذي تسبب في فضائح الخليفة وسوناطراك والطريق السيار وأموال الدعم الفلاحي وغيرها.
نحن نصغركم سنا ولم ننهب ولم نسرق ولم نفشل؛ لكننا انسحبنا بشرف إدراكًا منا بأن الجزائر أكبر منا، والأجيال الصاعدة أحق منا بتسيير شؤونها واختيار مشروعها السياسي والفكري والاجتماعي، لذلك نصر على رحيلكم ونحرص على ألا تخلفوا الفوضى والطوفان بعدكم، بل ارحلوا كما يفعل الرجال بطريقة حضارية إن كانت لديكم كرامة، ونعدكم بأن نكون أوفياء لنسيانكم، وبأن نبني دولة المؤسسات، وليس دولة الرجال، ونبني مجتمع الحب والاحترام، وليس مجتمع الكراهية والحقد!
ندرك بأنكم تصرون على البقاء، وتسعون لذلك بدعم من فرنسا، وتخططون لتكميم المزيد من الأفواه، وإقصاء مزيد من الرجال الذين يقفون في وجوهكم لمنعكم من تحويلها إلى مملكة، لكننا لن ننتفض، ولن نثور، مثلما فعل غيرنا، ليس لأننا نخاف منكم، بل لأننا نخاف على الوطن، وندرك بأنكم ستستغلون ذلك لصالحكم، إلا أننا سنصر على رحيلكم ولن نسكت عن أفعالكم وسنظل ننتقدكم ونصرخ في وجوهكم “ارحلوا” قبل أن يدفعكم الشعب إلى الرحيل، وعندها لا ينفع الندم ولن يقدر أحد منكم على الوقوف في وجه إرادة الشعب!
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 31 أغسطس 2015