مثل كل الجزائريين الغيورين صرت أخاف على الوطن أكثر فأكثر بسبب تكرار الهفوات والأخطاء والكوارث من طرف مجموعة من الهواة في كثير من المواقع يمارسون السياسة ويسيرون قطاعات هامة ويتحكمون في رقاب الناس من دون إدراك أو وعي بأن الأمر يتعلق بوطن بحجم الجزائر، وصرت أخاف من هذا الذي يتم التخطيط له من طرف الجماعة التي لم يعد يهمها احترام مشاعر الناس وذكاء الجزائريين، ولا يهمها انخفاض المداخيل وتدهور الاقتصاد وتراجع القيم والأخلاق، ولا يهمها سوى الاحتفاظ بالسلطة بعد رحيل بوتفليقة والقضاء على كل من يختلف معها أو يعارضها.
رسالة قائد أركان الجيش الوطني الشعبي إلى عمار سعيداني وقبلها رسالة الرئيس إلى مؤتمر الآفلان الذي زكا بوتفليقة رئيسا للحزب بعدما كان مرشح الإجماع ورئيس كل الجزائريين، هي ممارسات لا يمكن أن تحدث في دولة تعيش ظروفًا عادية، لذلك يزداد خوفنا من ممارسات أخرى خطيرة لاحقة دون أدنى اعتبار لمشاعر الشعب وما تكتبه مختلف وسائل الإعلام، ودون أدنى اعتبار للقوانين والأعراف والقيم والأخلاق.
تحميل عبد المومن خليفة مسؤولية فضيحة القرن لوحده دون غيره من المسؤولين الذين منحوه رخص إنشاء البنك والقناة التلفزيونية وشركة الطيران، ودون غيره من المسؤولين عن إيداع الملايير في بنوكه، وأولئك الذين تستروا عليه وشجعوه؛ كلها تؤكد بأن القضاء صار رهينة بين أيدي الجماعة مثلما صارت الإدارة ووسائل الإعلام والأفلان والمؤسسات بما في ذلك مؤسسة الجيش التي استولوا عليها بعدما تم اختراقها وتقسيمها!
تأجيل محاكمة المتهمين في قضية سوناطراك إلى الدورة الجنائية المقبلة وإبعاد شكيب خليل عن الفضيحة؛ يحمل إرادة قوية في تمييع القضية وإبعاد الشبهات عن محيط الرئيس قبل التخلص من الملف مثلما تم التخلص من ملف فضيحة أموال الدعم الفلاحي، ومثلما تم التغاضي عن فضيحة عقارات مسؤولين كبار في الخارج، وفضائح قطاعات التربية والصحة والثقافة والنقل وغيرها من القطاعات التي لم تسلم من عبث “هواة” السياسة و”هواة” تسيير شؤون الدولة.
تصاعد نفوذ أصحاب المال وحلفائهم من المنتفعين والانتهازيين هو مصدر خوفنا الكبير على بلد سيصبح كل شيء فيه يباع ويشترى، ويزداد فيه الغني غنى والفقير فقرًا، وتنهار القيم والقناعات لصالح “الشكارة” وسياسة توزيع الريع وشراء الذمم التي سيكون لها دور كبير في تعيين خليفة بوتفليقة، بالإضافة إلى تخويف الناس وتخييرهم بين استمرار المنظومة القائمة أو الفوضى!
التضييق الممارس على الصحافة والمعارضة أصبح أمراً خطيرًا ومخيفًا، وسيأتي الدور قريبًا على بعض الصحف والقنوات التلفزيونية لخنقها كلية بعد انتهاء مرحلة التضييق، ويأتي الدور على لويزة حنون في محاولة لاغتيالها سياسيا بسبب تماديها في انتقاد منظومة الفساد مثلما تم اغتيال بلخادم لأنه أراد العودة إلى رئاسة الافلان على حساب سعيداني، ومثلما تم إخراج أويحيى من الأرندي عشية الرئاسيات الماضية قبل إعادته إلى الواجهة بسبب حاجتهم إليه لتعويض إفلاس الموالاة سياسيا وعدم قدرتها على خوض النقاش السياسي الحاصل.
كل هذه الممارسات لا علاقة لها بالعمل السياسي المحترف، ولا علاقة لها بثقافة الدولة، ولا علاقة لها حتى بمجتمع كنا نعتقد بأنه عبر الى مرحلة أخرى من الأدب والأخلاق والحرية والديموقراطية ولكنه في الحقيقة يتوجه مباشرة نحو الهاوية، ولهذا لست خائف على نفسي بقدر ما أنا خائف على وطني من بعض الجبناء الذين لا يقدرون على مواجهة الفكر بالفكر والرأي بالرأي الأخر، ولا يتقنون سوى فن الفكر والتحايل والخداع
حفيظ دراجي
لم ينشر في يومية الشروق بسبب رفض رئيس التحرير