أتحدى كل من يعتقد أن الجزائريين سعداء في يومياتهم ويستمتعون بحياتهم كبقية خلق الله على الرغم من القدرات البشرية والمادية والطبيعية التي يزخر بها البلد، وعلى الرغم من توفر كل الإمكانات التي تسمح لهم بالعيش الكريم، وأتحدى كل من يثبت أن السلطة تسعى إلى إسعادهم والرفع من معنوياتهم وتوفير كل وسائل الراحة والأمان والاستقرار النفسي والأسري الذي يفضي إلى تحقيق التوازن السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
السلطة لم تستطع توفير أسباب الاطمئنان لأبنائها، ولم تقدر على توفير الاستقرار لها؛ لأن أصحابها يتألمون بدورهم كل يوم من خيباتهم المتكررة في تسيير شؤون البلد، ومن تأنيب الضمير وافتقادهم للشرعية وثقة الشعب فيهم، حتى إن الرئيس الذي يحسده على موقعه كثىرون؛ يتألم بدوره بسبب عدم قدرته على القيام بواجباته، ويتألم لما آلت إليه أوضاعنا مثلما يتألم الموالون من الأحزاب والشخصيات التي صارت تدرك بدورها أنها فشلت ولم يعد مرغوبًا فيها.
المعارضة من جهتها تتألم من تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية التي تسوء من يوم إلى آخر، وتتألم من ممارسات السلطة تجاهها ومن عدم قدرتها على إحداث التغيير، وتتحسر على التضييق الممارس ضدها والتخوين الذي يطالها من طرف “المطبلين” وأصحاب المصالح.
الوزراء والمديرون والموظفون السامون يعانون الإحباط بدورهم؛ لأن لا سلطة لهم على قطاعاتهم التي تتراجع كل يوم، ولا يقدرون على اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة؛ لأن شؤون الوطن صارت كلها بين يدي رجل واحد محاط بمجموعة من الانتهازيين والمنتفعين.
الشباب الجزائري تعيس من جهته بعدما فقد الأمل في التغيير، ويفتقد أدنى الضروريات ووسائل التسلية والترفيه والعيش الكريم، على الرغم من استفادة كثيىرين من مساكن ومشاريع استثمارية وتسهيلات لإسكاته، بينما الشابات أكثر تعاسة بعدما بلغ عددهن أكثر من عشرة ملايين عازبة في سن الزواج، والآلاف من المطلقات اللواتي سيزداد عددهن بعد صدور قانون العقوبات الجديد الذي سيؤدي الى انحلال أخلاقي وأسري لا مثيل له في مجتمع صار يفتقد كل التوازنات والمعايير العالمية.
تعاسة المثقفين ونخبة المجتمع أكبر من كل فئات المجتمع الأخرى، وتجدهم يتألمون بدورهم من التهميش والاحتقار وتقزيم دورهم لصالح أصحاب النفوذ والمال الذين تحالفوا مع السلطة القائمة واتباعها وبعض وسائل الإعلام، وراحوا يعتمدون على معايير جديدة ترتكز على المال والجهوية والولاء، وتوزيع الريع لإسكات الناس وشراء السلم الاجتماعي.
الجمهور الرياضي لم يتخلص من الألم والتعاسة بسبب غياب المتعة في كرة القدم، وسيتألم أكثر لو أصابت عدوى الرداءة منتخب الكرة وتراجعت نتائجه وأداؤه مثلما تراجعت مختلف الرياضات، وتدهورت المرافق الرياضية والثقافية والتعليمية، ويتألم من اتهامه بالخيانة والعمالة للخارج إذا احتج ضد استغلال الغاز الصخري، وتظاهر من أجل تحسين ظروفه المهنية والاجتماعية!
الجزائريون افتقدوا نكهة الحياة وصاروا يتألمون كلهم وفي كل المجالات، لأن المنظومة فاشلة والرداءة متفشية على حساب الجدارة والكفاءة والاستحقاق، وصار كل شيء في الجزائر يقتل الناس همًّا وغمًّا أو بسبب حوادث الطرقات والهزات الأرضية وتساقط الأمطار أو ارتفاع درجة الحرارة أو حتى أخطاء طبية وأمراض بسيطة.
من يقول عكس هذا أتحداه لو يثبت لي أنه سعيد وراض، أو مقتنع بالمنظومة الحالية القائمة على النهب والفساد وإقصاء الآخر، والمغامرة بمستقبل الوطن والشعب.
حفيظ دراجي
نشر في موقع الشروق بتاريخ 29 مارس 2015