Tsa du 15-12-2014
سنكون بحاجة الى معجزة!
لا أبالغ اليوم إذا قلت بأن الجزائر ستكون بحاجة إلى معجزة خلال الفترة المقبلة لكي تتخلص من تداعيات ومخلفات الممارسات التي تتعرض لها الدولة والشعب على حد سواء، وستكون بحاجة إلى معجزة أخرى لكي تحافظ على توازنها واستقرارها لو استمر الحال على ما هو عليه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحتى فكريا وثقافيا، ولو استمر الحكم بالوكالة نيابة عن رئيس مغيب، وازداد التحايل علينا واستغفالنا كل يوم بكل الطرق والوسائل التي أدت في نهاية المطاف إلى مزيد من اليأس والتذمر والتخوف من الغموض في الرؤية المستقبلية للوطن بعد رحيل بوتفليقة.
لن أكرر المصطلحات والممارسات التي ذكرتها كل مرة في كتاباتي السابقة لأن مجرد ذكرها صار يؤرقني ولكن كل شيء يوحي بأن الأمور لا تسير على ما يرام على مستوى هذه المنظومة التي يتم فيها هذه الأيام الحديث عن تغيير الوزير الأول وتغير بعض الوزراء ومدراء المؤسسات الاستراتيجية الكبرى في محاولة لمواجهة تراجع المداخيل وإعطاء نفس جديد لنفس المنظومة الفاشلة، وسعيا لامتصاص التذمر الشعبي وغضب المعارضة وفئات كبيرة من المجتمع في تحايل آخر نكتشف تفاصيله كل يوم وفي كل المجلات.
كلام آخر يثار هذه الأيام عن اقتراب انتهاء مهمة الامين العام لحزب الأفلان والدفع بشقيق الرئيس لخلافته على رأس الحزب في سيناريو غريب يتم التحضير له دون خجل لغلق الباب أمام معارضي الأمين العام الحالي وفتح باب آخر أمام المرشح المقبل للرئاسيات الذي لن يكون بالضرورة عبد الملك سلال بسبب تراجع شعبيته وإعلانه الأخير في فرنسا بأن الرئيس كان في مستشفى غرونوبل وواعلانه بأنه وجه دعوة لفرانسوا هولاند لزيارة الجزائر والوقوف بنفسه على صحة الرئيس وعافيته وهو الأمر الذي أغضب محيط الرئيس وجعل من زيارة لندن الخاطفة كارثة في مفهوم الأعراف الدبلوماسية والاعلامية ا!
الكواليس والتقارير الإعلامية العالمية والمحلية تتحدث أيضا عن صراع خفي محتدم هذه الايام لتعيين خليفة الرئيس في الانتخابات الرئاسية المسبقة التي سيعلن عن تنظيمها سنة 2015 بضغط من جهات خارجية تساوم الجزائر مقابل دعم مرشح يحافظ على مصالحها، يراد له من جهة أن لا يخرج عن نطاق جماعة الرئيس، ومن جهة أخرى أطراف تريده أن يجسد القطيعة مع الممارسات التي أدت الى اهتزاز صورة الجزائرداخليا وخارجيا بسبب فضيحة الانتخابات الرئاسية الماضية وفضائح النهب والسلب في سوناطراك والطريق السيار شرق غرب وأموال الدعم الفلاحي ، وكل الفضائح السياسية والأخلاقية التي زادت من الاحتقان بين أبناء الشعب الواحد .
زيارة الوزير الأول الأخيرة إلى باريس التي كشفت عن تنازلات جديدة، والغموض الذي اكتنف تنقله إلى لندن كشف أيضا عن اختلالات كبيرة داخل المنظومة التي ترتكز على دعم فرنسي للبقاء في الحكم مقابل التنازل عن كل ما يمكن التنازل عنه لصالح الفرنسيين حتى ولو اقتضى الأمر تعويض الأقدام السوداء على ممتلكاتهم في الجزائر وإسكات الأصوات التي كانت إلى وقت قريب تطالب باعتذار فرنسا على جرائمها في الجزائر، وربما التوجه إلى تقديم اعتذار لفرنسا على محاربتنا لها واستقلالنا عنها!
أما تراجع أسعار البترول بنسبة خمسين بالمائة عما كانت عليه منذ ثلاثة أشهر فسيكون أكبر تحدٍ لجزائر ما بعد بوتفليقة بسبب تراجع المداخيل مما سيقودها الى الاستدانة من الخارج وانتهاج سياسة التقشف وشد الحزام للوفاء بالتزاماتها مع شعبها ومحيطها الإقليمي والدولي بعدما تم إنفاق كل المداخيل وتوزيعها لإسكات الناس وشراء السلم الاجتماعي بأثمان باهضه.
لا أبالغ أيضا إذا قلت بأن استمرار الحال على ما هو عليه سياسيا واجتماعيا واقتصاديا يشكل خطرا على الدولة التي يراد لها أن تذوب في أيدي مجموعة ضيقة تحاول إقصاء المؤسسة العسكرية والمعارضة والشخصيات الوطنية والتضييق عليها للاستمرار في حكم الجزائر بذهنية عشائرية وانتقامية مغلفة بالحقد والاقصاء لكل من يختلف معها وكأننا أمام ملكية خاصة يجب توريثها لأحد أفراد العائلة أو العشيرة دون أدنى اعتبار للارادة الشعبية .
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 15 ديسمبر 2014