hafid derradji

الامتناع عن مساعدة بلد في خطر!

في قاموس القوانين والعدالة  نسمع أحيانا عن تهمة “الامتناع عن مساعدة شخص في خطر” يوجهها القاضي ضد كل من يرفض إغاثة شخص بحاجة إلى إسعاف وهي نفسها التهمة التي ستتهمنا بها الأجيال الصاعدة في الجزائر إذا استمر اختطاف البلد واحتقار الشعب، واستمر التسيب والإهمال والفساد والنهب الذي تتخبط فيه الجزائر بتواطؤ مباشر وغير مباشر من مسؤولين وشخصيات وأحزاب وجمعيات وفئات اجتماعية مختلفة تتفرج على البلد وهو يتراجع في كل المجالات، وتتفرج على شعب يتألم كل يوم ويزداد تعاسة بسبب انهيار القيم والمبادئ واخفاق المسؤولين في بناء الدولة وتلبية حاجيات المواطنين في كل المجالات.

ستتهمنا الأجيال القادمة باننا قصرنا في إغاثة رئيسنا المحاصر منذ سنوات من أطراف فرضت عليه إقامة جبرية في زرالدة، لا يتواصل معه سوى بضعة أشخاص يكذبون عليه ويقولون له ما يريد سماعه، ويخفون عليه تذمر الطبقة السياسية ومختلف الفئات الاجتماعية وتراجع الجزائر بين الأمم، في وقت يزداد الحقد والاقصاء وتصفية الحسابات، وتتراجع الجزائر كل يوم في كل المجالات لدرجة صرنا نخجل عندما نقرأ التقارير الإعلامية العالمية التي تصنف الجزائر في ذيل الترتيب في كل شيء.

ستتهمنا الأجيال الصاعدة بالسكوت عن ممارسات فردية لا مسؤولة تستمد قوتها من ضعفنا وخوفنا، ومن التزامنا وانضباطنا، ممارسات أحدثت شرخا في أوساط المؤسسة العسكرية، أو أعطت الانطباع بأن هنالك شرخا وعدم انسجام بين العسكر انعكس على معنويات الناس وعلى أفراد الجيش الوطني الشعبي الذين ساد في أوساطهم الارتباك والشك والتخوف من المستقبل بعدما كان نفس الجيش بقوته وانسجامه مصدرا لقوتنا وثقتنا وفخرنا!

ستتهمنا الأجيال الصاعدة بالامتناع عن إغاثة بلد نهبت خيراته وأمواله من طرف محيط الرئيس ومجموعات مصالح تمارس كل أنواع الابتزاز والضغوطات على المسؤولين وتتحايل على الشعب لدرجة تؤدي الى وفاة والي ولاية عنابة ألما وحسرة بسبب مافيا العقار وأصحاب النفوذ الذين صاروا يتحكمون في رقاب الناس وأبقوا الشعب رهينة بين أيديهم يتحايلون عليه تحت شعارات كاذبة عنوانها العزة والكرامة والعدالة والمساواة والاستقرار.

ستتهمنا الأجيال القادمة بأننا تركنا لها قنابل موقوتة في قطاعات التربية والتعليم والثقافة والرياضة والعدالة، وتركنا لهم اقتصاد منهار وأبار بترول جافة وأحلام زائفة وشباب يموت في عرض البحار ومواطنين يموتون عندما تتساقط الامطار أو تشتد الحرارة، وبعضهم يموت بسبب زكام بسيط لأن منظومتنا الصحية تعيسة ومستشفياتنا مريضة.

ستتهمنا الأجيال بأننا كنا ضعفاء جبناء انتخبنا رئيسا لا يقدر على الوقوف والمشي والكلام، وسكتنا عن إنفاق ونهب الملايير عوض استثمارها لنترك لهم بلدا يحتل ذيل الترتيب في مؤشر الشفافية ومحاربة الفساد، بلد ترك لشعبه طريقا سريعا هو الأسوأ في العالم والأغلى تكلفة، وترك لهم منظومة تربوية تنتج العصابات ومدمني المخدرات، ومنظومة سياسية تنتج “الشياتين والمطبلين” والمتواطئين ضد مصالح الشعب.

ستتهمنا الأجيال الصاعدة بأننا لم نسعف بلدا تحطمت مؤسساته وأهينت فيه الكثير من الشخصيات والرجال لأنهم رفضوا الظلم والفساد، ورفضوا السكوت عن ممارسات قوامها الجهوية والمحسوبية والولاء الأعمى، بلد صارت فيها الضمائر والمناصب تباع وتشترى ولم يعد فيها الرئيس رئيسا والوزير وزيرا والمدير مديرا بعدما تفشت الرداءة على كل المستويات.

الأجيال الصاعدة لن ترحمنا وستتهم كل مسيء للوطن وكل متواطئ وساكت وخائف لأن كل القوانين والأعراف في العالم تعاقب كل من يمتنع دون عذر عن تقديم العون والإغاثة سواء طلب منه ذلك أو لم يطلب، وإذا امتنع عن ذلك توجه له تهمة الامتناع عن تقديم المساعدة، وبلدنا اليوم هو في حاجة إلى إغاثة من طرف أبنائه وبناته والا فإن التاريخ سيكتب باننا بقينا نتفرج على رئيس محاصر وبلد مختطف وشعب يحتقر كل يوم!

حفيظ دراجي

نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 5 يناير 2015

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل