الارتباك الذي يتخبط فيه محيط الرئيس منذ مدة يصنع الحدث كل مرة ينقل فيها بوتفليقة إلى فرنسا أو سويسرا للعلاج، وفي كل مرة يظهر فيها الرئيس على شاشة التلفزيون في تلك الصورة المهينة للرجل وللوطن، ويزداد الارتباك كلما توسع نطاق الاحتجاجات الاجتماعية والمهنية وكلما توحدت المعارضة أكثر وأجمعت على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مسبقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في بلد تعطلت فيه المؤسسات وساءت فيه الحياة لأنه مرتبط بشخص رجل واحد لا هم له سوى الظهور على شاشة التلفزيون كل مرة ليبرهن بأنه على قيد الحياة يستقبل زواره ويؤدي واجباته دون أن يدري بأن ظهوره بذلك الشكل التعيس إهانة له ولبلد أصبح بحاجة إلى رجل قوي ومنظومة أخرى لا تتحايل على الشعب ولا تستغفله!
لقد أصبح ظهور الرئيس على شاشة التلفزيون حدثا سياسيا واعلاميا كبيرا للرئيس ومحيطه تعلن عنه بعض القنوات والمواقع كخبر عاجل وإنجاز كبير يفتخر به المطبلون الذين يريدون أن يظهروا للناس بأن الرئيس بخير وهو يؤدي واجباته وباقي فئات الشعب هي المريضة التي تستحق دخول مستشفى مرضى المجانين أو تموت غيظا وألما وحسرة على بلد دخل غرفة الإنعاش وتحول إلى مهزلة حقيقية نخجل منها أمام الشعوب والأمم.
عجز الرئيس وحالته الصحية أدخلا البلاد في دوامة خطيرة تنذر بأزمة كبيرة ستعرفها الجزائر إذا لم يسع الجزائريون لإنقاذ رئيسهم و وطنهم من انفراد محيطه بالسلطة لذلك بدأت تلوح في الأفق ملامح وعي كبير عند المعارضة التي راحت تحذر من الفراغ الدستوري وأجمعت على ضرورة إجراء رئاسيات مسبقة، كما تفطن مناضلوا الأفلان لتراجع دور حزبهم وراحوا يسعون لاسترجاعه ممن اختطفوه ، وراح الكثير من الجزائريين يعبرون عن تذمرهم وعدم رضاهم من خلال توسيع رقعة الاحتجاجات الاجتماعية والمهنية في كل أنحاء الوطن تعبيرا منهم بأنهم لا يقبلون التحايل الذي يمارس عليهم و لن يتخلوا عن مطالبهم بإطلاق سراح رئيسهم وتخليصه من محيط يريد الاستمرار في الحكم باسم الرئيس وتحييد دور المؤسسات إلى غاية رسم خريطة سياسية أخرى يستمرون من خلالها في إبقاء الوطن رهينة بين أيديهم يتصرفون فيه بعيدا عن الشرعية الشعبية وقوانين الجمهورية.
لقد بلغ الضرر بالوطن درجة لا مثيل لها وسيزداد أكثر مع تراجع أسعار النفط وتدهور القدرة الشرائية للمواطن وانهيار القيم والأخلاق وتحطيم مؤسسات الدولة وتزايد أشكال التحايل والنهب لدرجة قد تتجاوز فيه القوى الحية في الوطن مطلب الرئاسيات المسبقة إلى مطالب أخرى بمحاسبة من يعرضون الرئيس للخطر ومن يغامرون بالوطن بسبب أنانيتهم وتسلطهم بعدما اكتشفنا طبيعة الدولة المدنية التي ينادون بها ويريدونها دولة ملكية تذوب فيها كل المؤسسات ونعبد فيها رجلا واحدا محاطا بجماعة متسلطة لا هم لها سوى البقاء في السلطة مهما كان الثمن.
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 24 نوفمبر 2014