hafid derradji

لماذا لا يتوسع النقاش؟

النقاش الكروي الذي يتكرر كل مرة  في الأوساط الفنية والإعلامية والإدارية حول ضرورة الاهتمام بالطاقات الشبانية المحلية لتدعيم المنتخبات والنوادي الوطنية، وضرورة إعطاء الفرصة للمدربين المحليين للإشراف على النوادي والمنتخبات صار نقاشا مملا لا يستند إلى أي منطق ولا ينفع في ظرف تجاوز فيه الآخرون مثل هذه النقاشات وراحوا يناقشون الأفكار والمشاريع، ويسعون إلى الاهتمام بتكوين الانسان في كل المجالات لبناء مجتمع متوازن ومتفتح خال من الحقد والكراهية ودون تمييز بين أبنائه إلا بالجدارة والامتياز وليس استنادا لأية شرعية مهما كان نوعها ( تاريخية، ثورية أو كروية).

لقد دفعت الجزائر ثمنا باهضا بسبب بقائها رهينة الشرعية التاريخية والثورية التي قتلت الأجيال المتعاقبة وخنقت كل المبادرات، وبدأت تظهر في الساحة شرعية من نوع آخر ,,, شرعية “كروية” يعتقد أصحابها بأن تسيير الكرة وتدريب النوادي والمنتخبات يجب أن يعود للاعبين القدامى دون غيرهم رغم أن الكثير منهم نال حظه ونصيبه وفرصته، ورغم أن المنتخب الجزائري كان دائما يستعين بكل أبنائه من اللاعبين المحليين والمحترفين ولا يمكنه أن يخرج عن القاعدة السائدة اليوم في كل البلدان، كما أن الاستعانة بالمدربين الأجانب ليست فكرة حديثة في الجزائر بل تمتد إلى فجر الاستقلال عندما استعانت الجزائر بالمدرب الفرنسي كادير فيرود سنة 1962 ثم بعد ذلك لوسيان لودوك، ماكري ، رايكوف ، روغوف ليكانس واسيج حاليلوزيش وآخرين.

الاستعانة بالأجانب والمحترفين لم تقتصر فقط على المنتخبات بل تعدتها إلى مختلف الأندية التي صارت تتسابق للتعاقد مع مدربين أجانب، وتسعى للاستعانة بلاعبين أفارقة، وتوسعت الظاهرة لتمس كل الرياضات الفردية والجماعية في وقت يبقى بعض اللاعبين السابقين ينتظرون فرصة تدريب المنتخبات الوطنية دون غيرها من النوادي والفئات الشبانية، ويستمرون في التسويق لفكر إقصائي للكفاءة والجدارة أينما كانت لصالح شرعية جديدة تطالب بنصيبها مثل نظرائها من أصحاب الشرعية التاريخية والثورية الذين لا زالوا يحكمون هذا الوطن.

هؤلاء وأولئك لا يكتفون بالمطالبة ” بحقهم الشرعي” في تدريب المنتخب الأول بل تجدهم يسوقون لأفكار لا علاقة لها بالتوجهات الحديثة لكرة القدم العالمية التي تعتمد على الفكر والعلم والتخطيط دون خلفية أو عقدة تجاه اللاعبين والمدربين والمسيرين، وتجدهم يدعون إلى ضرورة الاهتمام بالتكوين ولكن عندما يعرض عليهم تدريب الشبان وتكوينهم يرفضون ذلك.

جميل جدا أن نهتم باللاعبين المحليين وضرورة تكوينهم، لكن الاجمل أن نهتم بتكوين وإعادة تأهيل المدربين والمسيرين ونهتم بتأطير المشجعين، ونهتم بتكوين العدائين والملاكمين والسباحين والمصارعين وبإعادة تأهيل المشرفين على الرياضات الأخرى، و أكثر من كل هذا وذاك جميل أن نسعى لتكوين اعلاميين مهنيين ناجحين، وأطباء ومهندسين ومحامين وأساتذة متميزين، وتكوين فلاحين وبنائين وأصحاب المهن المختلفة، ونسعى إلى الامتياز في كل المجالات وليس فقط في كرة القدم لأن الوطن يرتقي ويتطور بكل أبنائه وفي كل المجالات والكرة ليست معيارا لتطور الشعوب والمجتمعات بل هي وسيلة للترفيه تصنع الفرجة والمتعة وتربي الأجيال وتزرع فيهم روح التنافس الشريف وروح الانتصار والروح الوطنية.

حفيظ دراجي

نشر في يومية الشروق بتاريخ 22 فبراير 2015

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل